
فجأة، رن الهاتف. انها الساعة الحادية عشر ليلاً، تساءلت في نفسي: من الذي يتصل بي في مثل هذا الوقت المتأخر؟ رقم غريب!
– من المتصّل؟
– أنا حنان -الاسم وهمي- وأحتاج إلى المساعدة؟
– بالخدمة تفضّلي كيف أساعدك؟
– أريد استخارة؟
بالفعل فتحت القرآن الكريم، فإذا بالآية 149 من سورة آل عمران: بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ. الآية الكريمة فيها نهي وتحذير شديدين!!
تلوت الآية على مسامع حنان وأخبرتها بنتيجتها.
ارتجف صوتها وقالت كنت أعلم ذلك لكن أحببت أن أتأكّد، وانهارت بالبكاء.
– سـألتها: ما الخطب؟ هل يمكن أن تطلعيني على سبب حيرتك؟
– فأجابت: لست أدري هل أكمل مع حبيبي أم أترك. فأحببت أن أستخير.
– لو كان هذا الارتباط سليماً لماذا تحتارين؟ ولو كان غير ذلك فعلامَ تبكين؟
– إنّه أحد أقربائي، وقد استطاع أن يوهمني بحبّه، لكن تصرّفاته في الآونة الأخيرة أقلقتني؟
– عن أي تصرفات تتحدثين؟
– لقد طلب مني أن أرسل له صوراً منافية للحشمة.
– وهل أرسلت له ذلك؟
– طبعاً لا، ولا أدري لماذا طلب ذلك وها هو الآن يلحّ علي أن أذهب معه “خطيفة”!!!
– لا عجب، هل عرفت الآن لماذا طلب منك صوراً فاضحة؟ أراد أن يبتزّك بها. أو أن يستخدمها كوسيلة ضغط لتخرجي معه!!!.
لكن لماذا يطلب مثل هذا الطلب؟ ألم تقولي أنه من أقاربك؟ كيف يرضى أن يؤذيك؟ هل رفضه أهلك؟
– لا ، لم يتقدّم لخطبتي حتّى، لا أدري لماذا لكن هذا ما يثير قلقي.
– عندها سألتها: كم عمرك؟
– قالت خمسة عشر عاماً.
أصبت بالذهول، كل هذه الدموع والحسرات والمشاكل والقلق لفتاة يفترض أنها طفلة، وينبغي أن يكون جلّ همّها أن تتفوّق في المدرسة، وأن تسرّح شعر دميتها، وربّما أن تبتاع بعض السكاكر والحلويات. لم أستطع ان أتمالك نفسي كيف يعقل ذلك؟ أين أهل هذه الفتاة؟ وأين ضمير ذاك البشري؟؟؟
– أين أبواك؟ هل أخبرتهم بما يجري معك؟
– أبواي منفصلين منذ كان عمري سنة ونصف.
– هل ما زلت تتعلمين؟
– نعم ، أنا في الصف العاشر.
حنان ليست أول طفلة تدفع ثمن خلاف بين ابوين لم يفكّرا للحظة بأبعاد عنادهما وخلافهما بل وطلاقهما. على قاعدة الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون. وإذا كان الحصرم يجلب الضرص للأبناء فما حال الآباء الذين يقدمون على الإنتحار الأسري؟ حيث يقحمون أنفسهم وأبناءهم في غياهب دوّامة مظلمة من الهموم والاضطرابات التي لا تبقِ ولا تذر.
وعشرات بل مئات مثل حنان، بل وضعهم أسوأ منها بكثير، فحنان ربّما وجدت رادعاً يمنعها من الوقوع في الخطأ -قدر الإمكان- بينما غيرها قد لا يستطيع.
أمّا غادة -الاسم وهمي- 14 عاماً (والداها منفصلين منذ حوالي 7 سنوات) فقد غادرت منزل أمها منذ أيام تقول أختها “تالا”: لا نعلم عنها شيئاً فهذه ليست أول مرّة تهرب من البيت، في كل مرة كانت تقوم أمي بإرجاعها لكن هذه المرة الظاهر انها اختارت الابتعاد. ممكن أن تكون طلعت خطيفة أو راحت عند حدا من رفقاتها أو مختبئة عند أحد الأقارب.
مختبئة مِن مَن ؟ ومن ماذا؟ ولماذا؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى أكثر من جواب واستفسار. إنّما تحتاج إلى إعادة ترتيب النظم المجتمعية في لبنان، وتحديداً في المناطق الشعبية؟
ولمرح -الاسم وهمي- ابنة الأربعة عشر ربيعاً قصة أخرى أخطر من سابقاتها، فهي ومنذ ولادتها، فتحت عيناها على بلد مدمر، ومجتمع مهترئ ، وابوين متصارعين. لينتهي بها المطاف فريسة لثلاثة مراهقين حاولوا التحرّش بها، وعوضاً عن أن تقوم الأم بالإدعاء عليهم راحت تبحث عن ورقة زواج تستر بها على ابنتها (كما إدّعت)، والحقيقه إنها تساهم في التستّر على المجرمين الذين قد لا تسلم من براثن نزواتهم فريسة أخرى.
ثلاثة مراهقين أعماهم الجهل وأغرتهم الرذيلة وساعدهم على ذلك وضع أسرة مرح المفككة.
فمرح وقبل ان تكون ضحية لهؤلاء الشياطين هي ضحية أبوين مهملين جاهلين جائرين مطلقين ومجتمع ذكوري ناقص ومتخلف.
في الختام لا يسعنا الا ان نقول: اتقوا الله في أولادكم، اتقوا الله في أسركم، اتقوا الله في عائلاتكم، وان كنت قد حكمتم على أنفسكم بالطلاق فلا تحكموا على أولادكم بالإعدام