الأحد، 8 يونيو 2025
بيروت
25°C
سماء صافية
AdvertisementAdvertisement

من كيس أبي هريرة

سيل من الأكاذيب الباطلة قذفته الروايات في كتب الحديث لتبديل الدين وتزييفه، حتى حاد هذا الدين عن صراطه المستقيم الداعي إلى الخير والسلام والحب، والغريب أن هذه الروايات نفسها تحكي لنا كيف تم هذا التزييف والتبديل والتغيير، وهو ما سنتناوله -من خلال نموذج كيس أبي هريرة- في هذه المقالة، مستدلين بنصوص وردت في كتب الحديث المعتبَرة.

روى البخاري في صحيحه (5355):

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ العَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: “لاَ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَة”.

يصرح أبو هريرة “من خلال هذه الرواية” أنه سمع من الرسول هذا الكلام، ويحدث به جازماً على أنه كلام الرسول، لكن ما إن يسأله السائل سؤالاً إنكارياً: هل فعلاً سمع الرسول يقول هذا الكلام؟ حتى يعترف بأن ما رواه عن رسول الله في الحقيقة كان من كيس أبي هريرة وليس كلاماً للرسول! وبالتالي فإن ما نسبه للرسول في هذا الحديث لم يكن إلا كذبة ألقاها، وهذا كان شيئاً معروفاً عن هذه الشخصية التي لا يعرف المسلمون عنها شيئاً، فكم من مرة تحدث عن فعل ينسبه لرسول الله حسب الروايات الحديثية التي يعتبرها المحدثون صحيحة، لكنه يتراجع عن قوله فور أن يعترض عليه معترض، لكن يبقى أبو هريرة أكثر مَن روى الحديث متربعاً على عرش الرواية لا يتزحزح عنها، والأحاديث الغريبة التي رواها عن النبي تملأ كتب الحديث، ولا يجوز لأحد أن يشكك فيها أو يرفض ما يرويه عن الرسول رغم غرابته، ورغم ثبوت الكذب عليه مرات عديدة، حتى إنهم رووا أن عمر بن الخطاب منعه من التحديث عن الرسول.

وللإشارة فإن بعضهم يحاول تبرير اعتراف أبي هريرة بالكذب، بخصوص كيسه الشهير، على أنه يقصد الزيادة الأخيرة في الحديث هي التي من كيس أبي هريرة، معتمدين على ما رواه أحمد في مسنده، لكن إذا تمعنا في نص الحديث كما في صحيح البخاري، فلا يمكن أن تستنتج أن السائل يسأل عن آخر الحديث؛ لأنه ورد دفعة واحدة، فسؤال السائل كان حول كل الكلام الصادر عن رسول الله، ليتراجع أبو هريرة عن ذلك مبيناً أنه من كيسه، وحتى لو كان المقصود آخر الحديث فقط، فهل هذا ينفي عنه الزعم بأن تلك الزيادة كان ينسبها للرسول؟ فهو استرسل في الحديث بعد قوله: “قال رسول الله”، وقد أورد البخاري نفس الحديث كاملاً في الأدب المفرد، لكنه لم يذكر شيئاً عن كيس أبي هريرة ليبقى الحديث كله منسوباً للرسول الكريم.

هذه ليست المرة الأولى التي ينسب فيها أبو هريرة شيئاً للرسول ويتراجع عنه، فقد أورد ابن عبد البر في التمهيد قصة من رواية مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: (كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبد الرحمن وذهبت معه، حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال عبد الرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد على رسول الله أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة، قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعراق، فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر له ذلك، فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر).

فانظروا كيف تراجع بسرعة بعد أن كان قد دلس في السابق بأن ما رواه كان من فعل الرسول.

وتعترض عليه عائشة بصرامة مبديةً استغرابها وشكها في ما يُحدِّث به عن رسول الله مما لا يعرفونه عنه، فيرد عليها كما جاء في المستدرك للحاكم (من طريق خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة أنها دعت أبا هريرة، فقالت له: يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل سمعت إلا ما سمعنا؟ وهل رأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم…).

فهل فعلاً يمكن أن نثق بهذه الأحاديث التي تُنسب للرسول من رواة هذا حالهم؟!

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

لا الصبر الاستراتيجي نافع ولا دخول الحرب مفيد.

قصف الضاحية بوحشية  غير مقبول ابداً. ما عاد الوضع مقبولا ابداً،ان يهدد العدو الأصيل ساعة يشاء ،وان...

قلق في تل أبيب من حديث إيران عن الاستيلاء على آلاف الوثائق من البرنامج النووى الإسرائيلي

وحدة الشئون الإسرائيلية  حالة من القلق تضرب إسرائيل خلال الساعات الأخيرة مع الكشف الإيرانى عن...

في اصطناع الميليشيات

فى إسرائيل حالة من التحدى واللغط، عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية، بين الوز السابق...

يحصل لاول مرة في فرنسا

المحكمة المتخصصة بقضايا الأرعاب في فرنسا تقبل ،لأول مرة ،دعوى ضد متهمين بالتواطؤ مع جريمة الإبادة...

في ليلة العيد… صواريخ بدل التهاني

كانوا يقولون يومًا: “ما بعد بعد حيفا”. لكن يبدو أن البعد لم يعد جغرافيًا فقط. يبدو أن المسافة التي...

جامعات أوروبية تقطع علاقاتها بنظيراتها الإسرائيلية.

في الرابع من شهر حزيران الجاري ،أعلنت اشهر جامعة أيرلندية “Trinity College Dublin “قطع كافة العلاقات...