
من حق الكثيرين إبداء استغرابهم ،ازاء أمكانية طرح سؤال كهذا ،لا سيما ان الدول الغربية ( باستثناء
أسبانيا وإيرلندا والنرويج )حرصت بعد عملية “طوفان الأقصى “على
التعبير عن تضامنها شبه المطلق
مع “إسرائيل “، وتأييد “حقها في الدفاع عن نفسها،”من دون استثناء أو حدود، ووصفت هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس ) بانه اكبر مجزرة
تعرض لها اليهود منذ ” المحرقة
النازية ” (رافضين، في الوقت نفسه،
الاعتراف بأي حق للفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم. )
وقد رافق هذا الانحياز “لإسرائيل”
اتخاذ تدابير صارمة هدفها منع وقمع اية حركة احتجاج على سياسات هذه الدولة ازاء الشعب
الفلسطيني ،وكل ما يمكن اعتباره
دعما ًلحق هذا الشعب في النضال
من أجل تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة.
ومع أن ذلك لم يمنع قطاعات من المجتمع المدني من الانخراط في نشاطات متنوعة ( مظاهرات، محاضرات، عرض أفلام وثائقية …)
ومن تنظيم
المهرجانات الصحفية والسينمائية ،ومن تعمد منح جوائز للفلسطينيين العاملين في هذه المجالات ،ولا سيما أهالي غزة،بهدف السماح لهم بإسماع صوتهم.
( سنحاول في مقال منفصل التطرق لهذا الجانب)
ومع ان هذه التحركات لم تؤد إلى (رغم شجاعة المشاركين فيها و مواظبتهم طوال أكثر من عام ونصف على النزول إلى الشوارع ليثبتوا للعالم اجمع أن الشعب الفلسطيني ليس وحيدا ً) والى تغيير ملموس ومباشر في مواقف حكومات الدول الغربية ،إلا انها تحولت إلى جزء من المشهد السياسي لا يمكن تجاهله ،في الوقت الذي بدأ فيه العالم يكتشف تدريجياً وحشية السياسات الإسرائيلية وهمجيتها ، وانتهاكها الدائم للقوانين والمنظمات الدولية.
على أن ما ساهم في تسريع وتيرة الانتقال نحو موقف صريح وحازم ضد حرب الإبادة الجارية في غزة ،هو خرق الهدنة ومنع دخول المساعدات الإنسانية وشنّ غارات لا سابق لها: قتلت الآلاف من الفلسطينيين في أيام قليلة والتصريحات من دون مواربة،ان هذه الهجمات العنيفة هو طرد سكّان غزة واحتلالها إلى الأبد.
وامام تعنت الحكومة الإسرائيلية وتجاهلها نداءات العديد من الدول ومنظمة الأمم المتحدة، برفع
الحصار والتوقف عن استخدام سلاح المجاعة،اضطرت بعض الحكومات الغربية إلى التنديد بشدة بما يعيشه فلسطينيي غزة.ففي فرنسا على سبيل المثال صرح الرئيس أيمانويل ماكرون بأن ماتفعله إسرائيل في غزة غير مقبول وأنه ” عار “. وقد فاجأ هذا الموقف الجريء العديد من المراقبين، الذين توقعوا ردود فعل غاضبة من قبل مناصري إسرائيل في فرنسا،كما
حدث يوم طالب الرئيس الفرنسي وقف تصدير الأسلحة إلى الكيان الصهيوني ، ودعا هذه الأخيرة الى احترام قرارات الأمم المتحدة لان إسرائيل خلقت بقرار من هذه الاخيرة .
على أن ما حصل هذه المرة هو العكس تماماً.
فقد سارعت شخصيات يهودية فرنسية إلى نشر مقالات وإصدار بيانات تستنكر فيها افعال إسرائيل في غزة وسياسة تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ، وان هذا يشكّل خطرا ً جدياً على وجودها.
ومع ان البعض شكك بمصداقية هذه المواقف ، على الرغم من انها تعكس خوفاً جدياً من تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة.
بعدها بدأت دول أخرى كهولندا مثلا ً( وهي دولة قريبة من إسرائيل)
تطالب بإعادة النظر في
” اتفاقية الشراكة ” بين الاتحاد الأوروبي و “إسرائيل” والتي تستفيد منها هذه الاخيرة في مجالات عديدة
( رسوم جمركية منخفضة على صادراتها إلى دول الاتحاد، الاستفادة من برامج الأبحاث التي يمولها الاتحاد واخيرًا الاستفادة من برنامج تبادل الطلاب “Erasmus “) . ثم صرّح رئيس وزراء أسبانيا ردا ً على أحد النواب ان ” إسبانيا لا تقيم علاقات تجارية مع دولة ترتكب جريمة ابادة ” والمقصود هنا هو
“إسرائيل”.
على أن المفاجأة الكبرى فجرها بيان شديد اللهجة صدر عن الرئيس ماكرون ورئيسي وزراء بريطانيا وكندا .