
لم ينجلِ غبار العدوان الصهيوني على لبنان بعد، حتى علت الأصوات المطالبة بنزع السلاح، “سلاح المقاومه”، عوضاً عن المطالبة بوقف العدوان ومحاسبة المعتدين ،وتغريمهم والبحث الجدي في استراتيجية دفاعية تحمي البلد وتحصّن حدوده.
للوهلة الأولى يظن المتلقّي أن المطلوب نزع السلاح المتفلّلت في القرى والمدن والأحياء الشعبية، والذي يسقط ضحيته عشرات الأبرياء سنوياً، أو نزع السلاح المنتشر داخل المخيّمات الفلسطينية، حيث يُمنع على الدولة الدخول -الا بإذن مُسبق أو تنسيق إذا سُمح لها- والذي يرعب الناس ويساهم في إفساد الأفراد وبالتالي خراب المجتمع (داخل وخارج المخيمات)، أو نزع السلاح الذي يغزو مخيمات التهجير السوري لأسباب وأهداف خبيثة ،والذي ضبطت القوى الأمنية مؤخراً كميّات كبيرة ونوعيّة منه. مع أن كل ما قد سلف هي مطالب شعبية محقّة ،ولكن المطلوب غير ذلك، فالمطلوب نزع السلاح الذي دافع عن الأرض والعرض، ولطالما ساند القضية الأم “القضية الفلسطينية”.
نعم كأنها الفرصة التي دأب البعض على انتظارها، وها هو يسعى جاهدا لتلقُّفها وانتهازها لكن لأي سبب؟ وما النتائج المرجوّة من ذلك؟ وبالتالي يحقّ للمواطن اللبناني أن يفكّر في من الذي سيحميه لو حصل معه مثل ما جرى في سورية ؟ هل حمت القرارات الدوليه العلويين هناك؟ هل حمت الأقليات في العراق؟ ألم تُسب النساء في العراق وقبل في أفغانستان؟ أسئلة عديدة تحتاج قبل الإجابة عليها إلى عقل راجح، وضمير واعي وإحساس بالمسؤولية.
طبعاً لسنا مع السلاح ولم نكن يوماً كذلك، لم نتزوّج لننجب مسلّحين، ولم نتعلّم لنتخرّج مقاتلين، لم نُخلق لنقاتل وليس من أدبيّاتنا سفك الدماء. لكن من يحمينا؟ دولة لم تقدم لنا رغيف خبز في عز الحرب؟ أم مسؤولون لا يعرفوننا إلّا عند الانتخابات؟ أم مؤسّسات عامّة وخاصّة لا يمكننا الانتساب إليها إلا بالواسطه والرشاوى؟ بينما نخسر خيرة شبابنا “المحرومين” عند حاجز هنا ونقطة تفتيش هناك!!!
لسنا مع السلاح ولم نكن يوماً عشّاق حرب ،ولا دعاة قتل ولا هواة اقتتال، إنّما دعاة دولة وهواة أمن وأمان وعشّاق وحدة واستقرار وسلام … ولكن مع من؟ وكيف؟ وعلى حساب ماذا؟
استلمت هيئة تحرير الشام الحكم في سوريا “بدون ضربة كف؟ وفي العراق سبيت النساء واستبيحت القرى والمدن وهتكت الأعراض وأعدمت الرجال في مجازر لم تكن آخرها ولا أبشعها مجزرة سبايكر(استهدفت جنوداً عراقيين في قاعدة سبايكر الجويّة وسط تكريت) التي راح ضحيتها اكثر ألفي شاب ذبحوا كالنعاج وألقي بهم في نهر الفرات… فأين كانت الضمانات الدولية والقوى العظمى والأمم المتحدة وحقوق الإنسان والدول العربية؟ كلهم دفنوا رؤوسهم في الرمال كالنعام، بل وقفوا صامتين أمام هول المجازر وكانوا شهود زور على اغتصاب الأمّة…
وها هي غزة وفلسطين ولبنان شهوداً على إجرام الصهيوني وعدوانه، فما الضمانة؟ ماذا لو نزع سلاحنا؟ ما هي ضمانتنا؟ من يحمي الشعب؟ من يحمي العرض والأرض والمؤسسات؟
وعليه، وحتى نثق بكم وبطلباتكم وحرصكم على الوطن -كما تزعمون- وقبل المطالبة بنزع سلاح المقاومة، طالبوا بنزع السلاح المتفلّت، وسلاح المخيمات وسلاح النازحين والعصابات. وحاسبوا أبواق الفتنة الذين يجاهرون علانية بدعمهم للعدوان الإسرائيلي على مكوّن لبناني كبير ويطلبون منه بكل وقاحة الاستمرار في ذلك العدوان والتمادي في الإجرام والضرب بيد من حديد وهذا ما لم نعهده في أي دولة من دول العالم.
قبل أن نطالب بنزع السلاح لابد لنا من ضمانة تحمي أرضنا وأعراضنا، تحمي مؤسساتنا، وتحمي ما بقي من دولة، وقبل أن نطالب بنزع السلاح لابد لنا أن نطالب بمعاقبة الكيان الصهيوني ودعم الفلسطينيين للحصول على حقوقهم كاملة دون قيد أو شرط، وقبل أن نطالب بنزع السلاح لابد لنا من الإجتماع والتلاقي والحوار في سبيل الوصول الى استراتيجيه دفاعيه تؤمّن لنا الضمانات المنشودة، وهذا لا يكون إلاّ عن طريق بناء دولة قوية تحقق كل ذلك.
وهذا ما نلمسه من خطابات فخامة الرئيس العماد جوزاف عون وحكمته وحنكته في معالجة القضايا الاستراتيجية والوطنية وهو ما يجعلنا نصرّ على ضرورة تعاون كل الأطراف السياسية والحزبية مع فخامته للوصول بالبلد إلى بر الأمان.
انني اليوم باسمي وباسم كل من يشاركني الرأي لن نرضى بأن يُنزع السلاح، أو أن يُسلّم الّا بعد توفّر الضمانات اللازمة للحفاظ على السلم الوطني والأهلي، وسنكون حماةً له اليوم وغداً وفي المستقبل.