الخميس، 24 أبريل 2025
بيروت
20°C
مطر خفيف
AdvertisementAdvertisement

دفاع عن نبي الله

أيوب عليه السلام

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى
قال الله تعالى:{وأيوب إذ نادى ربه أني مسنيَ الضُّر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرٍ وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين} سورة الأنبياء.
قد سبق وتكلَّمنا عن تبرئة نبي الله أيوبَ عليه السلام ولكن رأينا نظرًا للحاجة الشديدة إعادة الكلام في هذا الموضوع فرجعنا لنشره ببعض تصرُّفٍ فنقول:
قد عصم الله تعالى الأنبياء الكرام من الكفر والكبائر وصغائر الخسة وعصمهم كذلك من الأمراض المنفرة أي التي تنفِر منها طِباعُ الناس كالبرص والجنون والجُذام وخروج الدود من البدن إذ ليس من الحكمة إرسال من ابتُلي بمثل هذه الآفات المنفِّرة وقد أرسلهم الله للدعوة وليُقبل عليهم الناس فنزَّههم عما يُنافي ذلك، وقد سبق وتكلمنا عن عصمة الأنبياء عليهم السلام وعما يجب اعتقاده في حقهم في مقالاتٍ سابقةٍ فلينظرها من شاء، ولكن أحببت في هذا المقال أن أتكلم في تبرئة نبي الله أيوب عليه السلام مما يُنسب إليه ولا يليق بمقامه الشريف، فقد ابتُليت أمتنا قديمًا وحديثًا بأناسٍ يزخرفون الكذب وينسبونه إلى من تُعظمهم الأمة من العلماء المبرَّئين من كذب المفترين، وقد رأينا في هذا المقال التحذير من بعض هذه المفاسد فقد ذُكر في بعض المؤلفات أن أيوب عليه السلام مرض مرضًا خبيثًا فأنتن وخرجت منه روائح كريهة فرماه الناس على المزابل وجرت الديدان في جسمه، وزعم بعضهم أنه كان كلما سقطت منه دودةٌ ردها إلى جسمه وهذا ضلالٌ مبينٌ وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة من عصمة الأنبياء الكرام من الأمراض المنفرة، وحيث دلّت الأحاديث على أن الدود لا يقرب الأنبياء في قبورهم فبالأولى أن لا يقربهم في الحياة الدنيا، ففي مسند البزَّار عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون” وروى النسائي وأحمد وغيرهما عن أوس بن أوسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عزَّ وجل قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء”
الحقيقة الناصعة
وحيثُ عُلم هذا فنقول:
خلاصة الكلام أن أيوب عليه السلام نبي كريم أرسله الله بالإسلام كسائر الأنبياء وأنعم عليه بنعمٍ كثيرة، اصطفاه ربنا ورزقه الغنى والولد والمال وكانت له البَثَنِيَّةُ (قرية بين دمشق وأذرعات)من أرض الشام وكان برًّا تقيًا رحيمًا.
وبعد أن عاش أيوب عليه السلام مدةً بين تلك النعم الوفيرة ابتلاه الله ببلاء شديدٍ فذهب ماله ومات أولاده، وكانوا سبعة ذكورٍ وسبع إناثٍ، ومرض ثمانية عشر عامًا لكن لم يكن مرضًا مُنفِّرًا كما يظن البعض لأن الأمراض المنفِّرة مستحيلةٌ على الأنبياء عليهم السلام كما نص على ذلك أهل العلم. وقد كان أيوب عليه السلام صابرًا ابتغاء وجه الله حتى فرَّج الله عنه وعافاه. قال تعالى:{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضُّر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرّ وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين} سورة الأنبياء. وقد قيل في سبب دعائه برفع البلاء عنه أن ناسًا مرُّوا به فشمتوا به فانكسر خاطره فدعا الله فعافاه. قاله ابن جُزي في “التسهيل”
وجاء في “معاني القرآن للزجَّاج” في تفسير قوله تعالى:{اركض برجلك هذا مُغتسلٌ بارد وشراب} سورة ص. “أن الله أوحى إليه أن يضرب الأرض برجله فضرب فأنبع الله عينًا فاغتسل منها فتعافى ظاهره ثم ضرب الأرض ضربةً أخرى فأنبع الله عينًا أخرى فشرب منها فتعافى باطنه” وأذهب الله عنه ما كان يجد من السقم وأبدله العافية ورزقه مالاً كثيرًا وولدًا، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادًا من ذهب” رواه الطبراني. ورزقه الله ثمانيةً وعشرين ولدًا. قال الطبري في “جامعه” “لما دعا أيوب استجاب الله له وأبدله بكل شىءٍ ذهب له ضعفين” وقد جعل الله تعالى نبيه الكريم أيوب عليه السلام قدوةً للناس ومدحه وأثنى عليه فقال:{إنَّا وجدناه صابرًا نِعْمَ العبد إنه أواب} سورة ص. وهكذا صار الناس على مر الأزمان إذا ذكروا بلاء أيوب عليه السلام وصبره على مرِّ السنين مع كونه أفضل أهل زمانه عوَّدوا أنفسهم الصبر على الشدائد والتسليم لله تعالى.
وأما ما يروى من أن الشيطان تسلَّط على أيوب عليه السلام وأنه أتاه وهو ساجد فنفخ في منخره فنبتت به ثآليل مثل أليات الغنم ووقعت الحَكَّة في جسده فحكَّ حتى سقطت أظفاره وسقط لحمه، فهذا ضلالٌ مبين، فإنه لا سلطان للشيطان على الأنبياء كما دلَّ على ذلك قوله تعالى:{إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلا من اتبعك من الغاوين} سورة الحِجر. وقد نقل القرطبي في “جامعه” عن ابن العربي أنه لم يصح في ماهية مرض أيوب عليه السلام شىء. وفيه: “فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبرُهُ أم على أي لسانٍ سمعه والإسرائيليات مرفوضةٌ عند العلماء البتات فأعرض عن سطورها بصرك واصمم عن سماعها أذنيك”
فإن قال قائلٌ: ما معنى قول الله تعالى:{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسَّني الشيطان بنُصْبٍ وعذاب} سورة ص. فالجواب:ما يلي: قال القاضي عياض في “الشفا”:”وقال أبو محمدٍ مكِّي في قصة أيوب، وقوله: أني مسني الشيطان بنُصب وعذاب إنه لا يجوز لأحدٍ أن يتأوَّل أن الشيطان هو الذي أمرضه وألقى الضُّر في بدنه ولا يكون ذلك إلا بفعل الله وأمره (أي مشيئته) ليبتليهم ويُثيبهم، قال مكِّي: وقيل إن الذي أصابه الشيطان ما وسوس به إلى أهله” أي لبعض أهله. وقال أبو حيَّان في “البحر المحيط” “فسبب ذلك أنه كان يعودُهُ ثلاثةٌ من المؤمنين فارتد أحدهم (أي كفر بعد إيمانه) فسأل عنه فقيل: ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين فحينئذٍ قال: مسني الشيطان بنُصب وعذاب نَزَّل لشفقته على المؤمنين” أي هذَّب العبارة تأدبًا مع الله وإلا فكل شىءٍ بخلقه تعالى ولشفقته على السامعين المؤمنين)
وحيث عرفت الحق فالزمه واحذر سواه ولا تغترَّن ببعض ما في الكتب ولا بنسبتها زورًا لبعض الأعلام فمن رام العلوم بغير شيخٍ هلك. والحمد لله أولًا وآخرًا.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

علاقة التصوف بالشيعة

التصوف بين تقديس آل البيت ورفض السلفية.. يعد التصوف بتراثه الروحي العريق الممتد لأكثر من ألف عام...

دعوة المساواة في الميراث تشعل الجدل في مصر

ما ان اعلن استاذ الفكر المقارن في جامعة الأزهر ،د . سعد الدين الهلالي :” انه لا يوجد نص قرآني يمنع...

"مسجد؟!" يزوج المسلمين المثليين ويسمح بالصلاة المختلطة وبدون غطاء الرأس

يوجد مثل يقول ” عيش كتير بتشوف كتير” وها نحن نرى اليوم ما لا نتوقعه. في العاصمة الألمانية...

قصة النبي أيوب من القرآن الكريم

نجتمع هذا المساء في هذه المناسبة الدينية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين لا تصنعاً ولا محاباة...

حوار – بين الدين والسياسة: مستقبل الطائفة الدرزية في مواجهة مستقبل مفتوح على احتمالات عديدة (3 من 3)

حوار خاص مع الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في تاريخ الدروز، سعيد أبو زكي في هذا الجزء الثالث...