الإثنين، 7 أبريل 2025
بيروت
18°C
غيوم قاتمة
AdvertisementAdvertisement

غزة بين الانتصار والانكسار... هل من ياسر عرفات جديد؟

قد يجلب لي هذا المقال اتهامات كثيرة وقاسية ولكن مهمتنا في هذه المهنة والإعلام بعامة أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس وليس كما تفعل بعض الفضائيات العربية منذ 18 شهراً من العدوان على غزة، فمنها من هول ويهول الأحداث وكأن غزة على أعتاب النصر المظفر، ومنها من هولت الأمور بالاتجاه المعاكس ومنذ اليوم الأول للحرب وكأن إسرائيل قدر لا يرد

 

المقال:

بعد حصار مرير لجيش الاحتلال لبيروت عام 1982 بقيادة ارييل شارون لمدة 82 يوماً وقصف جوي وبري وبحري أوقع أكثر من 17 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى وباستخدام القنابل العنقودية والفراغية التي كانت تستخدم لأول مرة في الشرق الأوسط وافق ياسر عرفات على الخروج من بيروت بعد أن استمع لمطالب القيادات اللبنانية بالخروج إلى خارج لبنان لينقذ ما تبقى من بيروت وليوقف قتل المدنيين، لكن عرفات وبعقليته الشعبوية وحفاظاً على هيبة الصمود الاسطوري للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين رفض شرط شارون خروج المقاتلين من بيروت رافعين رايات الاستسلام البيضاء وأصر بالمقابل على خروجهم بلباسهم العسكري وأسلحتهم الفردية، وفعلا كان مشهد الخروج من بيروت مشهدا لا ينسى خلده التاريخ وحوله عرفات بذكائه وهو في الباخرة «اتلانتس اليونانية» من مشهد انكسار إلى مشهد للانتصار وقال وهو يرفع شارة النصر مقولته التاريخية (خرجنا من بيروت ولكننا لم نخرج من المعركة) ومقولته الشهيرة (يا جبل ما يهزك ريح).

أوجه الشبه بين بيروت 82 وغزة 2025 كثيرة ولكن في غزة كان القتل أفظع وأبشع والدمار أعمق وأكبر والألم أكثر وجعا والجوع أكثر وحشية ورائحته تحتاج لتوصيف ليس موجودا في قاموسي إلى الآن، واليوم وبعد أن ثبت أن الاحتلال يصر على الإبادة الجماعية للغزيين بالسلاح أو بالجوع وبعد أن بات واضحا أن حماس تحديدا استنزفت للدرجة التي لم تعد فيها قادرة على «ايذاء المحتل» ولا حتى بالحد الأدنى منه وأن الناس في غزة أصبحوا يتمنون الموت على يوميات القتل والجوع والدماء، يبرز هنا السؤال «الممنوع والمحرم» ماذا بعد؟

وما الذي يمكن أن تبادر له حماس طالما أن الاحتلال لم يعد يعير وزنا لأي جهة دولية ولا أي وزن للرأي العام العالمي، وأن نتنياهو مصمم على إبادة غزة والعالم يتفرج.

أعتقد أن هذا السؤال برسم قيادة حماس وتحديدا من هم في الداخل، وهنا أود تقديم مقترح اجتهادي للمقاومة والحركة، والمقترح هو:

أولا: الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وقتلاهم مقابل الإفراج عن كامل الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال.

ثانيا: القبول بخروج القيادات البارزة من الصف الأول لحماس إلى الخارج مقابل ضمانات دولية مكتوبة وتحديدا ضمانات أميركية بوقف الحرب وإعادة الحياة للقطاع وخروج قوات الاحتلال والبدء بالإعمار بإشراف دولي.

ثالثا: تشكيل لجنة فلسطينية–عربية لإدارة القطاع وبإشراف دولي على أن ترسم هذه اللجنة خارطة طريق لإبقاء القطاع تحت السيطرة الفلسطينية ومنع إقامة أي مستوطنات فيه والدفع ببدء مسار سياسي يغٌطى بقرار من مجلس الأمن الدولي لتنفيذ حل الدولتين.

رابعا: كل ما سبق ولكي لا تظهر حماس بمظهر «المنكسر» يمكن أن تضع هذا المقترح في إطار خطاب تقدمه للشعب الفلسطيني بعامة وأهل غزة بخاصة يبنى على أساس حرص الحركة والمقاومة على وقف حرب الإبادة ونزيف الدم في هذه المعركة التي بات فيها اللحم والعظم والدم الغزي هم السلاح المقاوم المتبقي لدى الحركة، وأن المسؤولية الأخلاقية لها تتطلب الاعتراف بأن الانتصار الواقعي والذي هو في متناول اليد هو إنقاذ الغزيين وغزة بعد صمود أسطوري سوف يسجله التاريخ بكل تقدير واحترام، وأن نهاية معركة طوفان الأقصى لا تعني نهاية الصراع مع الاحتلال التي بدأها عز الدين القسام عام 1935.

في التاريخ ليس كل انكسار هو هزيمة، بل الكثير من الانكسارات العسكرية كانت محطات أعادت تشكيل القوة وبناءها ومن أبرز الأمثلة على ذلك قبول الخميني بقرار مجلس الأمن رقم (598) الذي وصفه الخميني في أغسطس عام 1988 كمن يتجرع كأس السم، وقرار الانسحاب المفاجئ لإيهود بارك من جنوبي لبنان عام 2000.

الانكسار ليس هزيمة لمن يريد المقاومة والكثير من الانتصارات تحولت إلى هزائم بسبب غباء المنتصر.

وسؤالي: هل من ياسر عرفات جديد؟

 

 

شارك الخبر
الشراع
AdvertisementAdvertisement