من قتل قائد المقاومة وتسبب للمقاومة والحزب بآلام مبرحة ؟
شكلت المقاومة الإسلامية اللبنانية ظاهرة استثنائية عبقرية غير مسبوقة في تاريخ العرب والمسلمين، فتصدَّرت لقيادة الصراع العربي الإسرائيلي، بما هو صراع الشرق والغرب منذ ١٠٥٠ ميلادية، وانتزعت انتصارات إعجازية في زمنها وتوازنات القوى الكلية.
رجالها استثنائيون، وقادتها وعلى رأسهم الأبطال والسيد حسن نصرالله أسطوريون
فاحتلوا قلوب وعقول أهل الخير في الأمة، وأحرار العالم.
انتزعوا المكانة والثقة والمصداقية في الميادين. وتميزت المقاومة باستثنائيتها، التي تجسدت بمراكمة الانتصارات، والبناء عليها، وعدم التفريط بها، بلوغاً لنصر تموز ٢٠٠٦.
٢
“سيد الأمة وإمامها” لم يقل مرة كلمةً أو يطلق وعداً لم يكن واثقاً من القدرة على تحقيقه وإنجازه.
وصحَّ وصفه لإسرائيل بـ”أوهن من بيت العنكبوت”، وكلما وقعت جولة حرب تأكد فيها وهنها. ثم جاءت عملية طوفان الاقصى العجائبية لتقطع بحالة وهنها. فقد حققت كتائب القسام ومن غزة المحاصرة والجائعة والعريانة، والمحدودة المساحة وعدد السكان، والمسطحة المكشوفة، عمليةً استثنائيةً بجرأتها وتخطيطها وبرجالها. فأجهزت على أهم ما كان لإسرائيل من بقايا عناصر منعة في خط دفاع كلف مليارات الدولارات، وعشرون سنه من البناء، وصُمم كأحدث خط دفاع حصين والكتروني ومحمي تحت الأرض وفوقها ومن كل الاتجاهات.
أكدت الطوفان العجائبية وهن إسرائيل وخوائها، فسقطت مواقع الجيش وحصونه وقادته تحت اقدام مئات من مجاهدي القسام، فأعطيت لهم الريادة في التنظيم والتخطيط والاختراق والقتال والتضليل والسيطرة والاستطلاع.
٣
أسطورة إسرائيل وجيشها وقدراته الوهمية سقطت في الطوفان، وتقررت هزيمتها في الحرب الوجودية والمصيرية الجارية. وتأكدت مقولتنا من اليوم الأول: [هزمت إسرائيل ومحور المقاومة قد لا ينتصر، وهزيمتها في الحرب الوجودية تنسف أُسس وشروط بقائها وتنتفي وظيفتها. أي أنَّ الجاري هو حرب تحرير فلسطين كلها.]
٤
شعب غزة وأبطالها الأساطير مازالوا في الميدان، يسطرون تجربة ويحققون إنجازات كان يعجز العقل عن تخيلها. وذات الأمر حققه أساطير المقاومة في الحافة الأمامية في الجنوب، وفي مسارح الاشتباك من مسافة صفر.
في بطولاتهم تصديق لقول السيد أنها “أوهن من بيت العنكبوت”، وتحقيق لوعده بتدمير الجيوش والمعدات، وإلحاق الهزيمة بإسرائيل إن تجرأت على الحرب البرية، وقد برَّ الرجال بالوعد الحق.
فالحروب يحسب فيها النصر والهزيمة عندما ترسي نتائجها، ومَن يقرر نتائجها هو ميزان القوى الكلي والبيئة الاستراتيجية. وكل عناصرها ليست في صالح إسرائيل، ولا تفيد باحتمال صفري أن تنتصر فيها، ولا من معطى واحد يؤشر إلى بقائها واستمرارها.
فغداً لناظره قريب.
لو بدها تشتي لغيمت.
٥
لسنة ونصف تعجز إسرائيل عن كسر إرادة غزة، ولم تفلح في تحقيق أي من أهدافها في الحرب. وقد صادق ٩٦% من الإسرائيليين المستطلعين جازمين أنها لم تحقق اي هدف من الحرب.
ونتنياهو قال ومازال يردد: [إنها حرب وجودية إن هزمنا فيها فلا مكان لنا في المنطقة.]
هي حقاً أوهن من بيت العنكبوت، وما يستعرضه نتنياهو من عضلات صوتية، وحركات جسد، ويطلقه من أوهام إنما مجرد “فشخره”، واستقواء بطائرات أمريكية أطلسية، يقودها طيارون أمريكيون، وذخيرتها أمريكية، وأهدافها خيم نازحين، وأبنية مدمرة، ومعسكرات في سورية خالية وخاوية لا رجال فيها.
٦
كذلك واقع الحل في لبنان، فعندما التزم الرجال أوامر قيادتهم بوقف النار، والانسحاب من الحصون والكمائن، تعنتر نتنياهو بقصف ونسف القرى والأبنية الخاوية، وأمر باغتيالات. ولا زال يستعرض عضلاته بالطائرات، ويسرح ويمرح في محاولة للتعويض عن الانكسارات والعجز في المواجهات الميدانية، والتي تسببت بظهور مؤشرات التمردات الواسعة في جيشه المنهك والمتهالك العاجز عن تحقيق إنجازات في الميدان حيث تُصنع نتائج الحروب وخواتيمها.
٧
نجحت إسرائيل بتوجيه ضربات كاسرة ومؤلمة للمقاومة وحزب الله، فاغتالت قادة وكوادر، وأصابت الآلاف في عملية البيجر، التي يفاخر بها نتنياهو، وأهدى ترمب نموذجاً ذهبياً. وأهم النجاحات اغتيال السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، وتعطيل فاعلية الصواريخ الدقيقة والتدميرية.
نجاحات كلفت المقاومة خسائر مهولة، لو أصابت جيوش الامبراطوريات لما استطاعت الخروج منها وترميم الأوضاع.
لكنها بحسب تاريخ الحروب وقوانينها ودروسها إنجازات تافهة، لا تُحسب لإسرائيل، ولا تدلل على قوتها وسطوتها، أو تحولها إلى غير بيت العنكبوت.
٨
قارنوا بين الطوفان العجائبية ودروسها وإنجازاتها ودلالاتها وما أصابت إسرائيل بمقاتل وانكشاف بنيتها العنكبوتية، وبين عملية البيجر التي أثخنت المقاومة ومكانتها بجراح أليمة.
نجحت إسرائيل باختراق البيجر ليس لقوتها، ولا لشطارة قادتها ولحنكتهم وقدراتهم، بل لنقاط ضعف قاتلة في بنية المقاومة، ولاختراقها إما بالخونة أو الكاذبين أو الساذجين والفاسدين والاستثمار بهم.
فمن غير المنطقي أبداً أن تشتري المقاومة “بيجراتها” ووسائل اتصالها من السوق، ومن بلدان وتجار تصل لهم إسرائيل بسهولة. ولا من المنطقي أو العملي أو الأمني والعسكري أن يتم شراء البيجرات بمناقصة، وأن يحسم شرائها من السوق بدل شرائها من الحرس الثوري لفارق ٢ دولار في سعر القطعة او لجودة البطارية!
فمن فعلها وورط المقاومة إما جاسوس أو اهبل وساذج أو فاسد سعى لكسب بضعة الآف من الدولارات، وأدت فعلته الى هذه الخسائر الفادحة.
من اشترى البيجرات هو وأمثاله من قتلوا السيد، وليست إسرائيل القوية والقادرة؟؟.
٩
قتل السيد مَن خانه، ومن وخان الأمانة، وباع روحه ونفسه للشيطان، فأهدى إسرائيل خرائط الأنفاق، وغرف العمليات والمواقع والشقق والبنايات والمستودعات، ومن نظم شبكة اختراقات بشرية للداتا والاتصالات والأمن.
والحق يقال؛ إنَّ الاختراقات والخيانات ليست منتجاً لهذه المقاومة الأسطورية والعبقرية، إنما هي من طبائع الحروب والحياة.
لنتذكر أنَّ السيد المسيح -وبعرفنا انه ابن الله الوحيد-تم اختراق الـ١٢ تلميذ بيهوذا الذي باعه بثلاثين من الفضة، وشكك به اثنين من التلاميذ، أحدهم أنكره ثلاثة قبل صياح الديك، والآخر تشكك بظهوره على التلاميذ بعد صلبه.
فأن تُخترق وأن تُخان حالة من واقع الحال ومن تجارب الحياة والشعوب والديانات والثورات.
١٠
صدق في توصيف الحالة السيد نواف الموسوي، النائب السابق عن حزب الله والكادر المؤسس، والمشهود له في إطلالة إعلامية يتيمه قال فيها: [ما جرى ليس دليل عن قوة إسرائيل، إنما عن ضعف وأخطاء.]
ثم لفتنا صمته، والحملة التي نظمت ضده، فغيابه عن الإعلام.
علماً أنَّ المقاومة والوفاء للأبطال يقتضي أن تظلَّ صريحة شفافة، وعدها صادق. كما كان مضحي بنفسه من اجل الأمة وسيدها وإمامها السيد حسن نصرالله.
١١
اغتيال السيد حسن نصر الله، والبيجرات، واغتيال القادة والكوادر، وتعطيل أو تدمير الصواريخ ومنعها من الانطلاق، لا تدلل أبدا عن قوة إسرائيل وتمكنها. إنما تدلل على أخطاء وممارسات واختراقات ابتليت بها المقاومة وتشكيلاتها في حقبة ما بعد تموز ٢٠٠٦. وكل ما جرى فيها ومعها من منطق الأشياء وقوانين الحروب وأنماط الحياة.
فمن قتل السيد ليست إسرائيل القوية والقادرة!! إنما من خانه، ومن كذب عليه، وقدم تقارير تطمينية غير دقيقة لغاية أو عجز عنده. والأخطر من الكل من خذله، ولم يساند وينخرط بما لديه، وبما وعد وبايع والتزم.
من قال له: اذهب انت وربك فقاتلا وها نحن هنا قاعدون.
١٢
أن تستعيد المقاومة لياقتها، وأن تتجاوز آلامها، وترمم بنيتها، وتجدد شبابها، وتعيد دراسة تجربتها، وتالياً هيكلة بنيتها وأجهزتها، وأن تتعلم من التجربة، أمر مبشر ويرمم الثقة بها وبرجالها وقادتها.
أن تنهض بعد كبوتها هو الأمل الباقي للأمة، وعين الوفاء للأبطال الذين ضحوا بأنفسهم من اجل بقاء الامة ، وحفظ كتاب وسيرة وتجديد تجربة قائد الأمة وإمامها السيد حسن نصرالله وصحبه الظافرين بنصر التضحيات وبصدق الوعد والإيمان.
كَذَب المفبركون، وتَكْذِب حملات التهويل والتوهين والترويج لقوة إسرائيل وتمكنها.
إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، والميادين وإنجازات الرجال الأساطير أدلة قاطعة لا يرقى لهاالشك
