الإثنين، 12 مايو 2025
بيروت
28°C
غيوم متناثرة
AdvertisementAdvertisement

هل وحدة بناء الكون كان وفق هندسة إلهية وقوانين دقيقة.. ؟

كل شيء في هذا الكون يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر الى الفلك العظيم الى الشمس وكواكبها الى المجرات الهائلة التي تحوي آلاف الملايين من الشموس الى السماء المترامية التي يقول لنا الفلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرّة ، فكل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر الكترون الى أعظم جرم سماوي هو أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار .

وفي الواقع فإن العلم يمدنا بوسائل نتصور بها الله بطريقة مادية نعتقد بها أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراض وسماوات ، هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي الأفلاك ، وهو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء .. أو بعبارة القديس توما الاكويني ” هو الفعل الخالص الذي ظل يتحرك في الخلية الأولى حتى أصبح إنساناً “…

أما الوجود فهو لا محدود ولا نهائي ، إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا العدم والعدم غير موجود فهو معدوم ومن هنا منطقياً أن يكون الوجود غير محدود وغير نهائي ، وبذلك نقع في أسر عقيدة وحدة الوجود الهندية وفلسفة سبينوزا وفكرة برجسون عن الطاقة الباطنة الخلاقة … ووحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية ولكنها غير صادقة والحقيقة المؤكدة التي يقول بها العلم أن هناك وحدة في المادة الأولية التي بني منها كل شيء .

فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون والهيدروجين والأكسجين ولهذا تتحول كلها الى فحم بالاحتراق ، وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها … ومرة أخرى نتعلم من الفلك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وجميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة وهو الهيدروجين الذي يتحول في باطن أفران النجوم الى هيليوم وسيليكون وكوبالت ونيكل وحديد الى آخر قائمة العناصر ، وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغط هائلين .

وهذا ما يرد جميع صنوف الموجودات الى خامة واحدة وهي الهيدروجين ، أما الإختلاف بين صنف و وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف بالعلاقات الكيفية والكمية وفي المعادلة والشيفرة التكوينية … لكن الخامة الأولية واحدة وهذا هو سر الشعور بالنسب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان والزهر العطرة وبين العين ومنظر الغروب إنه سر الهارموني والانسجام ، فإن كل الوجود من أب واحد وهو أمر لا يستتبع أن نقول أن الله هو الوجود ، وأن الخالق هو المخلوق …

والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضاً للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات .. وأن جميع اللوحات مرسومة على الخامة نفسها وبذات المجموعة الواحدة من الألوان وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد ، والنتيجة الطبيعية أن يقفز الى ذهن الناقد أن خالق جميع اللوحات واحد ، فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها ، ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجودات هي ذاتها الخالق ولا يقول الناقد أن هذه الرسوم هي الرسام .

لهذ نرى أن نظرية وحدة الوجود الفلسفية والهندية شطحة صوفية خرافية وهو تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل ، وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات أن هناك وحدة بينها .. وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريك وأسلوب غير أسلوبه ، وتقول لنا أيضاً أن هذا الخالق هو إله كلي شامل ومحيط يلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويمدها بوسائل البقاء .

فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحة تستطيع أن تعبر الصحاري الجرداء بحثاً عن ماء وظروف إنبات ملائمة … وهو يزود بيضة البعوضة بكيس هوائي لتطفو على الماء ولا تغرق وما كان للبعوضة أن تدرك قانون أرخميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس ، وإنما هو الإله الكلي الشامل الذي خلق وهو الذي يزود مخلوقاته بأسباب حياته ، فهو إله واحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير … وهو متعال يعطي الصفات ولا تحيط به صفات .

فالكون مخلوق وليس أزلياً كان له البدء بدليل آخر من قاموس العلم وهو ما يعرف ” بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية ” ويقرر هذا القانون أن الحرارة تنتقل من الساخن الى البارد من الحرارة الأعلى الى الحرارة الأدنى حتى يتعادل المستويان فيتوقف التبادل الحراري … ولو كان الكون أبدياً أزلياً بدون ابتداء لكان التبادل الحراري قد توقف في الآباد الطويل السابقة ، وبالتالي توقفت كل صور الحياة .. ولبردت النجوم وصارت بدرجة حرارة الصقيع والخواء حولها وانتهى كل شيء .

إن هذا القانون هو ذاته دليل على أن الكون كان له بدء .. وأن العلم الحق لم يكن أبداً مناقضاً للدين بل أنه دال عليه مؤكداً لمعناه ، وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك .. وبخاصة إذا دارت المعركة في عصر يتصور فيه العقل أنه كل شيء ..وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارية مادية صارخة تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعية والذكاء الإصطناعي ووسائل الاتصالات الحديثة هاتفة كل لحظة … أنا المادة .. أنا كل شيء

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

مصطفى بكري يشن هجوما حادا على نجيب ساويرس: إلى متى سيترك هذا الشخص يتعمد الإساءة لجيش الوطن؟

قال الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، إن نجيب ساويرس رجل الأعمال الشهير، ينصح الجيش المصري...

إدمون رزق… قلمٌ صاغ الدستور وصوتٌ نادى بالعدالة

في حضرة القامات الوطنية، تغدو الكلمات شهادات حقّ، والتكريم يصبح فعل وفاء لذاكرة الوطن. اليوم، لا...

القطيعة بين ترامب ونتنياهو

نعم صحيح ترامب مستعجل ،يريد نتائج سريعة واساس ذلك توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وبما يعني ذلك من...

احفظ الله يحفظك

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى قال الله تعالى:{يآ أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر...

واخيراً انحسم الامر

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ظنّت الرأسمالية بأشكالها كافة انها حسمت آخر الحروب العقائدية...

‏ "إسرائيل" تريد إحاطة نفسها بطوق متعاون معها !!

ما زال البعض يحاول فهم السياسة الإقليمية بقواعد ما قبل “الطوفان” ،مما ينتج قراءات تبدو...