
راهنت ايران دائما ً على الحضور السياسي والشعبي الشيعي ، في البلدان العربية ( والإسلامية ) وسعت لربطه بمشروع ولاية الفقيه ، الجوهرية في قيام نظامها الجمهوري داخل ايران ، وساعدها بقوة توفر الامكانات المادية ، وكذلك قدرتها على التماهي المذهبي مع الشيعة ، في مرحلة انهيار الدعوة القومية العربية التي كانت تصهر المجتمعات العربية. . في مواجهة حالات المذهبية والشوفينية المعروفة تحديداً في دول المشرق العربي
لكن اعتماد السلوك الاستخباراتي ، على حساب الثقافة الوحدوية التي كانت ترفع رايتها ، والاستخبارات لا تهتم بالثقافة ، وإنما بالاستتباع ، فإنها في العراق اعتمدت ودعمت حالات سياسية ميليشياوية ، أنشأتها في العراق ، وبعضها نما وترعرع وسمن وتضخم في اروقة استخبارات للحرس الثوري الايراني ، خلال فترة لجوئه إلى العراق هرباً من بطش اجهزة صدام حسين ،
هذه الجماعات عادت إلى بلدها ، على ظهر الدبابات الاميركية التي اعتدت على وطنها واسقطت نظامه الوطني ، الذي كان ظالماً جداً.. ليسلمها الاحتلال الاميركي سلطات العراق ، بالتعاون مع ايران ، ليسود الفساد والتبعية ، ويفقد العراق كفاءاته العلمية والاقتصادية ، كما عشرات المليارات ومئات العلماء والمثقفين ، وتلزم الوطنية والعدالة والتنمية الأقبية ، وتسود اصوات النشاز والمذهبية ونهب الفسدة …
ساندت ايران بالتقاطع مع الاحتلال الاميركي كل هذه الحالات التي سيطرت على كل العراق …
إلا السيد مقتدى الصدر ، وهو القيادي الشيعي ابن العائلة المتأصلة في المرجعية الشيعية ، فإنه كان يبعد نفسه عن هذه الثقافة ، متكئاً على اوسع قاعدة شعبية ، مكنته من امتلاك الاغلبية النيابية بملايين الأصوات متقدماً بأضعاف المرات على كل الجماعات الشيعية العراقية التي تخدم التقاطع الإيراني – الاميركي ..ليصبح مسار الصدر مخالفاً لهذا التقاطع ، بل ومخالفاً للسياسات الاميركية والإيرانية في وطنه المحتل ..
الآن ايران في ورطة حقيقية ، سواء اعترفت بذلك او كابرت ، وهي قبل ان تخسر سورية ، كانت خسرت بشار الاسد الذي كان وسيلة اسرائيل للتخلص من القيادات الإيرانية ، وعندما سقط بشار كشفت ان طهران كانت مصابة بإحباط منه منذ اكثر من سنة ،
ايران ليس على استعداد لتخسر العراق ، وهو على حدودها آخر القلاع التي تدافع عن النظام الإيراني ، فاليمن الحوثي بعيد ، ولبنان جريح محاصر يحتاج إلى العلاج والدواء .. لذا لم يبق لها إلا العراق .. لكن عراقها ليس صافياً سياسياً ولا ثقافياً لها ، وأكثر جماعاتها مخترق من الاميركان بالمصالح والمناصب والنفوذ ، والجموح الشخصي ، من دون ان ننسى ان طهران باتت بحاجة لأن تقدم مصالحها فوق اي اعتبار آخر ، وهؤلاء المؤلفة قلوبهم من جماعاتها مستعدون لنقل البندقية عند كل استحقاق …
من يتبقى لها صادقاً في العراق ، وفاعلاً في السياسة وذا اغلبية شعبية شيعية ، ومنفتح على السنة والأكراد ؟ انه مقتدى الصدر ، يصدقها القول ، لا يراوغ من وراء ظهرها مع الاميركان ، منفتح على الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية ، صديق صادق لحزب الله في لبنان ، ويمكن ان يكون صاحب الاغلبية النيابية ، إذا شارك في الانتخابات النيابية التي يشترط لخوض غمارها اسقاط الفاسدين ناهبو المال العام ، ومعظمهم من جماعات ايران وحرسها الثوري ..
فهل تعيد ايران الاعتبار للسيد مقتدى الصدر ، وتصالح جمهوره ، فتحفظ وجودها موضوعياً في بلاد الرافدين ، وتنظف التشكيلات المحسوبة عليها ، وتعتمد القاعدة التي تقول : ان السمكة تفسد من رأسها … وان تنظيف الدرج يبدأ من الاعلى !!