
لعل قلة تعرف من اين جاءت تسمية “مادلين” للسفينة الصغيرة التي أبحرت من جزيرة صقلية متجهة إلى قطاع عْزة في مهمة جريئة لكسر الحصار المفروض عليه.
لذا نعيد نشر قصة هذه التسمية الآن ..
سُمّيت السفينة تيمنًا بفتاة فلسطـينية من غزة تُدعى مادلين كُلّاب، التي اشتهرت بكونها أول وأصغر صيادة أسماك محترفة في القطاع.
بدأت مادلين رحلتها في عالم الصيد في سن مبكرة لـــ تدعم عائلتها في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والحصار.
بدأت مادلين كُلّاب رحلة الصيد وهي طفلة، حيث كانت ترافق والدها، وهو صياد معروف في غرْة، في رحلاته منذ سن السادسة.
تعلمت منه أساسيات المهنة، مثل السباحة، ورمي الشباك، والتعامل مع القوارب.
في سن الثالثة عشرة، أصيب والدها بمرض خطير (الشلل بحسب بعض الروايات) منعه من العمل، فتحملت مادلين، كونها الابنة الكبرى، مسؤولية قارب الصيد وإعالة أسرتها.
يعاني قطاع عْزة من حصار مشدد منذ عام 2007، قلّص المسافة المسموح بها للصيادين في البحر إلى 3-6 أميال بحرية فقط، مما قلل من كمية الأسماك المتاحة وأثّر على مصادر الرزق.
واجهت مادلين هذه القيود التي عَرّضت حياتها للخطر أحيانًا.
كونها أول امرأة تمارس الصيد في غزة، واجهت مادلين تحديات اجتماعية كبيرة في مجتمع محافظ اعتبر عملها غير تقليدي.
ذكرت في تصريحات سابقة أن المجتمع واجه صعوبة في تقبل دورها كصيادة، لكنها أصرت على مواصلة طريقها.
في عام 2016، صادرت قوات الاحتلال قارب والدها مع معداته، مما زاد من معاناتها.
لكن مادلين لم تستسلم، فاستأجرت محركًا بديلًا لتشغيل قارب سياحي واستمرت في الصيد.
تحملت مادلين مسؤولية إعالة أسرتها، حيث كانت بحاجة ماسة للمال لتغطية نفقات المعيشة وعلاج والدها.
كانت تصطاد يوميًا ما يقارب 3 كيلوغرامات من الأسماك، تُباع بحوالي 30 شيكل (نحو 8 دولارات آنذاك).
بالرغم من هذه المسؤوليات الثقيلة، واصلت مادلين دراستها إلى جانب عملها في الصيد، مما يعكس إصرارها على النجاح رغم الظروف القاسية.
لم تكتفِ مادلين بتحدي الظروف لنفسها، بل سعت لنقل خبرتها إلى فتيات أخريات.
نظمت ورش عمل لتعليم الفتيات صيد الأسماك وصناعة الشباك، وأسست ناديًا نسائيًا للصيد لدعم العاملات في البحر وزوجات الصيادين، بهدف تشجيع النساء على خوض هذه التجربة.
أصبحت مادلين كُلّاب رمزًا للصمود الفلسـطـــيني، خاصة للنساء والصيادين في عْزة، حيث تحدت الحصار البحري، والتقاليد الاجتماعية، والظروف الاقتصادية الصعبة.
في يونيو 2025، أطلق تحالف أسطول الحرية اسم “مادلين” على إحدى سفنه ضمن جهوده لكسر الحصار عن عْزة، تكريمًا لها كأول صيادة فلسـطـينية، وتعبيرًا عن التضامن مع الصيادين والنساء في عْزة، ورمزًا للتحدي والإصرار.
بعد اندلاع الحر’ب على القطاع في أكتوبر 2023، فقدت مادلين والدها ومصدر رزقها، مما زاد من تحدياتها، لكن قصتها ظلت مصدر إلهام.
تُجسد قصة مادلين كُلّاب روح المقاو’مة المدنية والإصرار الإسلامي.
حولت هواية طفولتها إلى مهنة لإعالة أسرتها، وألهمت آخرين لمواجهة الصعوبات.
اليوم، يبحر اسمها على متن سفينة “مادلين” لتسليط الضوء على معاناة أهلنا ومحاولة كسر الحصار.
علّموا أولادكم قصة كفاح مادلين ليواجهوا الحياة بروح مختلفة عما نراه اليوم من شخصيات شبابية غير مسؤولة، لا تحمل هموم نفسها، فضلاً عن هموم الأمة.