السبت، 19 أبريل 2025
بيروت
24°C
غائم جزئي
AdvertisementAdvertisement

قصة النبي أيوب من القرآن الكريم

نجتمع هذا المساء في هذه المناسبة الدينية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين لا تصنعاً ولا محاباة ولا استعراضاً احتفاليا وإنما للتعرف على هذه المشتركات الإيمانية بين ديانتينا. كما سبق تجمّعنا هذا اليوم احتفالياتنا منذ أسابيع قليلة بعيد بشارة العذراء مريم عليها السلام، وكذلك سوف نستتبعها قريباً باحتفاليات ايمانية مشتركة بمناسبة ما نطلق عليه نحن المسلمون بأهل الكهف، وما تطلق عليه النصوص المسيحية القديمة باسم القديسين السبعة النيام.

يعود نسب نبي الله أيوب إلى إسحاق ابن إبراهيم عليهما السلام. وكانت نبوته كما تذكر بعض الروايات بين النبييْن موسى ويوسف، حيث ذكر بأنه كان صاحب أموال كثيرة، وله ذرية كبيرة، فابتلاه الله في ماله وولده وجسده، فصبر على ذلك صبراً جميلاً، فأثابه الله لصبره على مرضه، بأن أجاب دعاءه، وأعاد إليه أهله، ورزقه من حيث لا يحتسب.

وردت قصة أيوب في القرآن الكريم في سورة الأنبياء : (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين *  فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين)، وكما جاءت في سورة (ص):  (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب)

يخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم عن أيوب عليه السلام، بأنه ابتلاه من الضر في جسده، وماله، وولده، حتى لم يبق من جسده موضعاً لم ينله المرض، ولم يبق له في سنين مرضه الثمانية عشر، وهجر الناس له من شيء يستعين به غير زوجته التي حفظت ودَّه، فكانت تخدم الناس مقابل ثمن بخس لتطعمه وتخدمه. وكانت لا تفارقه إلا للخروج لخدمة الناس. ولما طال عليه الأمر، واشتد به الحال، زاد تضرع أيوب إلى ربه قائلا : )أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، وفي الآية الأخرى، قال 🙁 رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب)، فعند ذلك استجاب له الله، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عيناً، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب جميع ما كان في بدنه من المرض، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عيناً أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً؛ ولهذا قال تعالى: (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب(.

هذه القصة خلدها أهالي بيروت دون غيرهم من باقي مدن العالم، وقد كانت واحدة من المناسبات في العادات والتقاليد الشعبية التي كان أهل بيروت يحتفلون بها في أزمنة ضاربة في القدم من تاريخ المدينة، ويتم تحديدها في يوم الأربعاء الذي يلي فصح الطوائف الشرقية، أو يمكن أن يكون يوم الأربعاء الأخير من شهر نيسان. حين يحين هذا اليوم كان أهالي بيروت يخرجون إلى شاطىء الرملة البيضاء ومنطقة الأوزاعي والتي كان يطلق عليها اسم حنتوس  في شكل “سيران” ويقضون نهارهم في لهو ومرح الى مغيب الشمس.

الذي كان يميز الإحتفال بهذه المناسبة في بيروت إعدادهم لطبق المفتقة الذي يغلب عليه طعم القرقم او العقدة الصفراء والتي هي المكون الأساسي لهذه الوجبة. وأما سبب ارتباطها بالمناسبة فيقول من يجيد طبخها بأنها تحتاج إلى صبر وجلادة باعتبار المدة الطويلة لطهيها، فكما صبر أيوب على مرضه كذلك المفتقة تحتاج إلى وقت طويل لطهيها. لا يقدم إلا باجتماع من تيسّر من شباب الحي والجيران للمساعدة في عملية التحريك، يواظبون على تحريك الخليط على النار حتى «يفقس السارج» الذي ينشأ عن فقاقيع صفراء تظهر على سطح الوعاء عندما تنضج الطبخة.

قد أميل إلى شرح آخر يتعلق بفائدة المفتقة لما تحتويه من القرقم والذي يعتبر مضاد قوي للالتهابات ومزيل السموم ولأمراض الكبد. فهل تداوى أيوب بالقرقم وجاء الماء تتويجا لهذا الشفاء؟ وتخليدا لهذا الإبراء تناقلت الأجيال عبر الأجيال هذا الطبق من حلوى القرقم. فرضية من الفرضيات التي تصلح أن ترويها الأجيال القادمة دون الوقوف على حقيقتها.

كما يلازم هذه المناسبة طقس الغسل في مياه البحر، فكانت النساء بعيدة عن أعين الرجالي يغطسن سبع غطسات، يليهن غطس االرجال إقتداء بما فعله النبي أيوب عليه السلام. ومن لم يكن يشارك في طقوس الغطس يغسل وجهه بماء تنقع فيه “حشيشة أيوب”، أي عشبة العرعر المعروفة بفوائدها الصحية المتنوعة.

الدرس الذي نستلهمه من هذه القصة، أن الإنسان عليه دائماً وأبداً في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، أن يلجأ إلى الله تعالى، وأن يملأ قلبه اعتقاداً، أن لا مجيب له إلا الله سبحانه، وأن لا كاشف لما نزل به من البلاء إلا رب العالمين. وهذا الاعتقاد يُدْخِلُ الراحة والطمأنينة في قلب المؤمن، ويجعل حياته هادئة مستقرة لا اضطراب فيها ولا قلق، ونفسه راضية مطمئنة، ترضى بما كتبه الله عليها، وتقبل بما قسمه الله لها.

العبرة المستفادة من قصة أيوب عليه السلام تتمحور حول صفة الصبر : الصبر على البلاء، والصبر على المرض، والصبر على مفاتن الدنيا، والصبر على ذهاب المال والولد، وقد قال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} (محمد:31). وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.

 

شارك الخبر
الشراع
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

"مسجد؟!" يزوج المسلمين المثليين ويسمح بالصلاة المختلطة وبدون غطاء الرأس

يوجد مثل يقول ” عيش كتير بتشوف كتير” وها نحن نرى اليوم ما لا نتوقعه. في العاصمة الألمانية...

والأبناء يضرسون / —1—استخارة قرآنية تفضح رداءة مجتمع متهالك/

فجأة، رن الهاتف. انها الساعة الحادية عشر ليلاً، تساءلت في نفسي: من الذي يتصل بي في مثل هذا الوقت...

الحب والشهوات في القرآن الكريم والأحاديث النبوية

” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة...

حوار – بين الدين والسياسة: مستقبل الطائفة الدرزية في مواجهة مستقبل مفتوح على احتمالات عديدة (3 من 3)

حوار خاص مع الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في تاريخ الدروز، سعيد أبو زكي في هذا الجزء الثالث...

حوار – بين الدين والسياسة: كيف تؤثّر مواقف مشايخ العقل على دروز سوريا؟ (1 من 3)

الحرة بيروت ـ حوار خاص مع الأستاذ الجامعي والباحث المتخصّص في تاريخ الدروز، سعيد أبو زكي،  تُشكّل...

رمضان والعيد الاستقبال والوداع

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. قال الله تعالى في القرآن الكريم:{قل بفضل الله وبرحمته...