
وسط التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة في المنطقة، يعود خط أنابيب “كركوك – بانياس” إلى دائرة النقاش، بوصفه خياراً ستراتيجياً لفتح منافذ تصدير جديدة للنفط العراقي.
ويمثل إرسال بغداد وفداً حكومياً إلى دمشق لبحث إعادة تأهيل الخط، توجهاً رسمياً لتذليل التحديات التي فرضها توقف صادرات النفط عبر الموانئ التركية، وبينما تنظر الحكومة إلى الخط كفرصة لتعزيز الموقع التصديري للعراق، يشكك خبراء في مدى جدواه الاقتصادية.
ولا يزال الوضع الأمني في سورية هشاً، فيما تعرضت البنية التحتية لخط أنابيب “كركوك – بانياس” لأضرار جسيمة بفعل سنوات الحرب الطويلة، إذ تشير تقديرات إلى أن كلفة إعادة تأهيل الأنبوب قد تتجاوز 8 مليارات دولار، وهو ما يثير شكوكاً جدية لدى خبراء اقتصاد حول جدوى هذا الاستثمار، في ظل تراجع عائدات العراق النفطية وتأثر اقتصاده بانكماش الطلب العالمي وتباطؤ النمو الدولي.
منفذ تصديري جديد
بدوره، أكد المهندس الاستشاري، مازن السعد، أن “مشروع أنبوب النفط العراقي – السوري يمثل منفذاً اقتصادياً جديداً من شأنه أن يعزز العلاقات الاقتصادية بين دول المنطقة، على الرغم من التحديات السياسية والأمنية التي تحيط به”.
وقال السعد في تصريح لـ(المدى)، إن “العراق بحاجة إلى منافذ تصديرية جديدة للنفط في ظل اضطراب الأوضاع الإقليمية”، مشيراً إلى أن “وجود أحكام قضائية دولية ضد رئيس وزراء سورية بتهم تتعلق بالإرعاب يضيف تعقيدات إضافية أمام تنفيذ المشروع، ويزيد من حساسية الموقف السياسي”.
وأضاف أن “تشغيل خط كركوك – بانياس سيوفر رافداً اقتصادياً احتياطياً للعراق، خصوصاً في حالات الطوارئ والاضطرابات الإقليمية”، لافتاً إلى أن “الأنبوب الحالي يعاني من تهالك كبير نتيجة غياب أعمال الصيانة لسنوات طويلة، مما يجعل إصلاحه يتطلب ما بين سنة إلى سنتين بسبب التشققات والتسربات التي لحقت به”.
وأوضح السعد أنه “على الرغم من التحديات الفنية، فإن المشروع يعد خياراً مجدياً اقتصادياً للعراق، إذ يمنحه بدائل إضافية لتصدير النفط، بعيداً عن الاعتماد الكامل على خط جيهان التركي أو مشروع الأنبوب الممتد عبر الأردن”، مبيناً أن “تعدد خطوط التصدير يمنح العراق مرونة أكبر وقدرة تفاوضية محسنة مع الدول المستقبلة”.
وإلى جانب التعقيدات السياسية، فإن حجم الاستثمار المطلوب لإعادة تأهيل الأنبوب، وتوقعات ارتفاع الكلفة التشغيلية المستقبلية بسبب المخاطر الأمنية، يجعلان المشروع مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد لا تتناسب مع الوضع المالي الحرج الذي تمر به الموازنة العراقية، خصوصاً مع استمرار الضغوط على أسعار النفط عالمياً.
لا جدوى اقتصادية
وبينما تعكف الحكومة العراقية على دراسة مشروع إعادة تشغيل خط بانياس، تبرز مقارنات داخل الأوساط الاقتصادية مع مشروع خط أنابيب النفط عبر ميناء العقبة الأردني، إذ يرى بعض الخبراء أن خيار العقبة، على الرغم من تحفّظات سياسية عليه، يوفر ممرًا أكثر أماناً واستقراراً، مقارنة بالمرور عبر الأراضي السورية التي لا تزال تشهد توترات مسلحة متفرقة.
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أنه “لا جدوى اقتصادية من إعادة بناء الخط العراقي – السوري والذي يربط بين كركوك وبانياس ،باعتبار أن معظم انتاج حقول كركوك التي تنتج نحو ٣٠٠ ألف برميل يوميا يجري استهلاكها داخليا”.
وأوضح المرسومي في تعليق صحفي، أنه “حتى لو طورت “برتش بتروليوم”، حقول كركوك فإنها لن تضيف سوى ١١٢ ألف برميل إلى الانتاج الحالي ،مما يعني ارتفاع كبير في كلفة النقل ورسوم المرور”.
وبعيداً عن المعطيات الاقتصادية والفنية، يرى مراقبون أن قرار إعادة تشغيل خط كركوك – بانياس يرتبط بالدرجة الأولى بحسابات سياسية إقليمية، إذ تسعى بغداد إلى تعزيز علاقاتها مع دمشق، وفتح قنوات جديدة بعيداً عن التأثيرات التركية والخليجية، وهو ما يضيف بعداً جيوسياسياً إلى مشروع الأنبوب، يتجاوز الحسابات الاقتصادية المباشرة.
هدف ستراتيجي
من جهته، أكد رئيس المركز العراقي للدراسات الستراتيجية، غازي فيصل أن “مشروع إحياء خط كركوك – بانياس يمثل هدفاً ستراتيجياً مهماً للعراق، في ظل الحاجة إلى تنويع منافذ تصدير النفط”.
وقال فيصل لـ(المدى)، إن “الخط القديم الذي توقف منذ عام 1979 بقرار من الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد ألحق خسائر كبيرة باقتصادي العراق وسورية معاً، نتيجة إغلاق الحدود وتعطل تدفق النفط”، مشيراً إلى أن “الأسد تبنى آنذاك سياسة معادية للنظام العراقي، وتحالف لاحقاً مع إيران ضمن ستراتيجية إقليمية معقدة”.
وبيّن فيصل أن “مرور النفط العراقي عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط سيفتح للعراق آفاقاً واسعة للوصول إلى الأسواق الأوروبية بشكل أسرع وأقل كلفة مقارنة بالطرق التقليدية عبر الخليج وقناة السويس”، مشدداً على أهمية “امتلاك العراق بدائل متعددة لضمان أمن صادراته النفطية”.