السبت، 24 مايو 2025
بيروت
24°C
سماء صافية
AdvertisementAdvertisement

"روج آفا بين قدرين"

تنشر الشراع هذا الرأي للكاتب د صلاح ابو شقرا محتفظة بحق الرد المتوقع من قيادات ومثقفين من سورية وبلاد عربية اخرى 

تستقبل  “روج آفا”[1]  عيد  النوروز هذه  السنة  و هي  منتظرة  من  “القدر الجديد”  الآتي  من  غياهب  التاريخ ، و المثقل  بآلام  نصف  قرن  من  حكم  “القدر القديم” ، أن  ينظر  بعقلانية  و حكمة  استثنائية  لمعالجة  قضايا  الوطن  السوري  الجريح ، المقطع  الأوصال، الأشبه  بالرجل  المريض ، و الذي  تنتظره  العثمانية  الجديدة  لتفترس  حلبه  الشهباء ، و “إسرائيل” لتتصل  بفراته  عبر “ممر داود” ، الذي  يحتم  قضم  المحافظات  الجنوبية، السويداء ، درعا ، و القنيطرة ، و ذلك  بعد  سيطرتهم  على  المنطقة  المنزوعة  السلاح ، و احتلالهم  للقرى  و المرتفعات  السورية  لجبل  الشيخ .

 

إذن  ذلك  “القدر القديم” ، الذي  شكل  واحداً  من  الأنظمة  الكلية ، ذات  الأيديولوجيا  الراديكالية  الشائعة  في  زمنه ، و التي  كانت  تظهر الوجه  العلماني – التقدمي ، و تبطن  الطائفية – العائلية ، التي  استولت  على  مقدرات  البلاد ، و ليس  هنا  المكان  المناسب  لتقييمها ، و لكن  لسرد  الواقع  الكردي  في  الشمال ، و الشمال  الشرقي ، من  محافظة  الحسكة ، و مناطقها ، إلى  كوباني ، ثم  عفرين ، وصولاً  إلى  أحياء  تل  مقصود  و الأشرفية  في  مدينة  حلب ، حيث  كان  من  المتعذر معرفة  إن  كان  الكثير من الكرد  في  تلك  المناطق  هم  مواطنون  سوريون ، أم  رعايا  لدول  أخرى ، أم  مكتومي  القيد ، أم  أنهم  في  وضع  “جنسية  قيد  الدرس” . فقد  بدأ  مسلسل  القهر بحقهم  مع  تسلم  “البعثيين”  للسلطة  سنة  1962 ، عندما  تم  تجريد  نحو مائتي  ألف  مواطن  كردي  من جنسياتهم  السورية ، و تسجيلهم  بصفتهم  أجانب . ثم  تجريد  نحو ثمانين  ألفاً  آخرين  من  جنسياتهم ، مما  أوجد  حالة  قيد  جديدة  و هي  مكتومي  القيد . و لم  تكن  هذه  “إنجازات” القدر القديم  بحق  الكرد  فحسب ، بل  بلغت  سياسة  التعريب  حد  تغيير أسماء  المدن  و البلدات  و القرى  الكردية  إلى  العربية ، على  سبيل  المثال  لا الحصر، قامشلو إلى القامشلي ، كوباني  إلى  عين  عرب ، إفرين  إلى  عفرين ، تل  كوجر إلى  اليعربية، ديريك  إلى  المالكية ، و تربسبييه[2]  إلى  القحطانية ، فضلاً  عن  العديد  من  البلدات  و القرى  الأخرى . هذا  إلى  جانب  منع  الإصدارات  باللغة  الكردية ، عدا  عن  منعهم  من  تسجيل  أسماء  المولودين  الجدد  بأسماء كردية ، بل  فرضوا  عليهم  الأسماء العربية . أما  الإجراءات  التي  لم  تقل  خطراً  على  الكرد  في  سوريا  هي  سياسة  الحزام  العربي ، الذي  اعتمد  في  بداية  السبعينات ، و الذي  امتد  على  مسافة  375  كلم  على  طول  الحدود  السورية – التركية ، و بعمق  يتراوح  بين  10  و 15 كلم ، و قد  أدى  إلى  تهجير ما  قدرته  بعض  المصادر بنحو مائة  و عشرين  ألف  مواطناً  كردياً  من نحو 332 بلدة  و قرية  واقعة  ضمنه ، و إحلال  العشائر العربية  مكانهم .

و في  السياق  عينه ، لم  تقتصر معاناة  الكرد  على  ما  تقدم ، بل  لقد  تعمد  ذلك  “القدر القديم” على  الإيقاع  بينهم  و بين  جيرانهم  من  العشائر العربية  على  قاعدة  “فرق  تسد” ، و التي  بلغت  حد  النزاع  الدموي  سنة  2004  في  أعقاب  مباراة  في  كرة القدم  بين  ناديي  الجهاد  من  مدينة  قامشلو و الفتوة  من  مدينة  دير الزور، و قد  أشعل  تحامل  السلطات  على  الكرد آنئذ  إنتفاضة  قامشلو، و التي  قمعت  بوحشية  فائقة .

أما  بالنسبة  للقدر الجديد ، فتواجهه  الكثير من  الأزمات  الجيوبوليتيكية ، و المطامع  الإقليمية ، فإن  انبرى  لمواجهة  كل  منها  بمسؤولية ، بالإستفادة  التامة  من  خبرات  كل  الحقبات  السالفة  الذكر، يكون  قد  بدأ  ببناء  دولة  عصرية  قائمة  على  العلمانية  و اللامركزية  الموسعة ، و ذلك  ابتداءً  من  الشمال ، عبر الإعتراف  بالحقوق  الثقافية  و الاجتماعية  و السياسية  للكرد ، و من  خلال  تعميم  تجربة  “مجلس  سوريا  الديموقراطية”  على  كل  سوريا ، و هو الإطار الذي  تمكن  من  إدارة  ثلث  الأراضي  السورية ، جامعاً  الإثنيات  و المذاهب  و الطوائف ، المختلفة  من  الكرد ، السريان ، الأشوريين ، الكلدان ، و حتى  التركيبات  العشائرية  العربية ، إضافة  إلى  بعض  التركمان، و هم  يتقاسمون  السلطة  بتفاهم  تام  و عدالة  و ديموقراطية .   

و مع  نهاية  قدر و إطلالة  قدر جديد  تبقى  الدولة  العلمانية  الديموقراطية  اللامركزية  السبيل  الوحيد  لحماية  روج آفا  و سائر المناطق  و المكونات  الإجتماعية  السورية  من  خلال  قطع  الطريق  على  تقسيم  البلاد  إلى  دويلات  إثنية – طائفية  متناحرة ، و تعزيز الثقة  بالحكومة  المركزية  و حماية  البلاد  من  الأطماع  التركية  شمالاً  و الإسرائيلية  جنوباً .   

[1]  روج آفا : منطقة  غرب  كردستان  باللغة  الكردية ، و يستخدمها  الكرد  حالياً  لتعريف  مناطق  الإدارة  الذاتية  لشمال  و شمال  شرق  سوريا .

[2]  مصطلح  كردي يعني  “القبور البيض”  باللغة  العربية .

 

 

شارك الخبر
الشراع
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

نريد بلدية تُشبه المرحوم العميد سامي منقارة

على مسافة أيام من انتخاب رئيس جديد لبلدية طرابلس تتوجه أنظار أبناء المدينة إلى هذا الاستحقاق...

بيان صادر من مواطنٍ لبناني

في ظلّ ما يتمّ تداوله من قراراتٍ أو توجّهاتٍ صادرةٍ عن حاكم مصرف لبنان ,بقرارٍ أو توجيهٍ بضرورة...

التحشّد العسكري الكويتي على حدود العراق .! لماذا ؟

التحشّد هذا كان مطلوبٌ منه ” كويتياَ ” تصويره بالكاميرات والفيديوهات وربما بالعدسات...

إسرائيل أوهن من أن تغتال السيد حسن نصرالله.

من قتل قائد المقاومة وتسبب للمقاومة والحزب بآلام مبرحة ؟ شكلت المقاومة الإسلامية اللبنانية ظاهرة...

عيب وفاقعة هالقذيفة الارتجاجية ؟؟؟؟؟

قال وزير خارجية لبنان استدعى السفير الايراني ،للاحتجاج على تغريدة للأخير ،يعتبر فيها نزع السلاح...

تحية المساء

” ليس على اي توقيت في العالم “… … فقط على توقيت فلسطين … … وساعة غزة التي لم ولن...