
ما كان الاهل محقّين يوم حذّرونا من الغرباء،كلّ الغرباء الذين احترنا بأمرهم والذين توقعنا منهم خطراً مضوا بلا اذيّة،لم تأت الأذيّة الا من الذين ظننا اننا نعرفهم .
يأتي الوجع من المألوف.
يبدو أنّنا لا نعرف احد.
ان يتصرّف العدو ضدنا بوحشية أمر طبيعي ،الغرابة ان يشارك في قتلنا من ظننا يوما انهم امتدادنا في البلاد والأمة وأنهم صدى لأنيننا و نسخة لأوجاعنا إن اصابتنا مصيبة وحلّت بنا الفاجعة.
كانت الصدمة النفسية الاقصى يوم اكتشفنا اننا غرباء على نسيج من ظنناهم اهلنا وبيئتنا وناسنا ونحن نحمل السلاح دفاعا عنهم.
لا أعرف أحداً عاتب غريباً إنّما أعرف الكثيرين من الناس الذين عاتبوا اقارباً واصدقاء ومعارفاً واحباباً لهم.
الحذر واجب إنما يبقى ضرورياً مع الذين نظنّ أننا عرفناهم.
المألوف أخطر.
الطعنات القاتلة لم تأت يوما الا من الذين ظنناهم معنا وقربنا وخلفنا وامامنا بسيوف مشهورة ضدّ الأعداء فإذا بهم يخبؤون خناجرهم ليغدروا بنا عند اشتداد المواجهة ضد الأعداء.
لا يغدر الا الذين نعرفهم اما العدو إن اغتالنا فلا نذكر ذلك كغدر إنما كإعتداء متوقع.
احمق من لا يتوقع الاعتداء من عدو وساذج من يفرط بالثقة بالمألوف عند المحن.
ربما و الله اعلم أخطأنا في التقدير يوم حثّينا الناس ان لا تقاتل الا العدو الأصيل وان تهمل وكلائه لأن أعمق الضربات القاتلة في الحرب كانت بسيوف الوكلاء ووشاياتهم وبأحقادهم وبنواياهم القذرة.
نخطىء كثيراً ولا نَعد أحداً أننا لن نستمرّ في ارتكاب الأخطاء إنما الخسارات والهزائم ضد الأعداء قابلة للتدوير والتحويل لانتصارات فيما بعد الا الأخطاء والهزائم بسبب الذين ظنناهم منّا وفينا ومعنا فإنها جراح لا تندمل لأنها خيبات تفجّر نفسها بنفسها كحقل الألغام على امتداد الزمن.
في الحرب التاليةعلينا ان نضع الدرع على ضهورنا لا على صدورنا لأن الطعن من الخلف أعمق وأسوأ واخطر بكثير من ضرب السيوف من الامام، على الوجه والصدر والبطن والعين والعقل والذاكرة والوعي .
في الحرب التالية علينا حراسة خطوطنا الخلفية اكثر من دعم الجبهة الامامية.
والله اعلم.