السبت، 24 مايو 2025
بيروت
21°C
غائم جزئي
AdvertisementAdvertisement

حكاية صوفي وسلفي في أحد مساجد القاهرة القديمة

جلس “سعيد” السلفي بجوار “خالد” الصوفي بعد صلاة الفجر. بدأ الحوار بسؤال بسيط:
“لماذا تذكرون الله جماعةً بصوت عالٍ؟ أليس هذا بدعة؟”
ابتسم خالد وهو يمسك مسبحته: “عندنا يا سعيد.. الذكر ليس كلمات تقال، بل هو نبض للقلب يوقظ الروح”.

أسباب الخلاف بين الصوفيين
والسلفيين و دور الازهر
الشريف في هذا الموضوع

يُعد الخلاف بين التيارات الفكرية والدينية في العالم الإسلامي من القضايا التي أثارت اهتمام الباحثين والمفكرين، خصوصاً الخلاف بين التيار الصوفي والتيار السلفي، لما له من أثر عميق على الحياة الدينية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية.
يتمحور هذا الخلاف حول قضايا عقدية وسلوكية ومنهجية، وقد أثّر في طبيعة الخطاب الديني داخل كثير من الدول الإسلامية، وعلى رأسها مصر. ويبرز في هذا السياق دور الأزهر الشريف، باعتباره مؤسسة دينية وسطية، تسعى إلى رأب الصدع بين الفرق الإسلامية المختلفة، والتوفيق بين منهج الاعتدال واحترام التعددية الفكرية والدينية.
وبصفتي ممن يميلون إلى التيار الصوفي، أجد فيه راحة روحيّة وامتدادًا لذاتي، فهو يشبهني بكل الطرق التي تتعدد بتعدد البشر والأنفاس، ويجسّد الإسلام في أسمى معانيه الروحية و الانسانية

يُعتقد أن مصطلح “الصوفي” مشتق من الكلمة العربية “صوف”، التي تشير إلى اللباس الخشن الذي كان يرتديه الزهاد والمتصوفون الأوائل. يمثل التصوف بعدًا روحيًا وعميقًا في الإسلام، يهدف إلى تطهير النفس (التصوف) والوصول إلى درجة الإحسان في العبادة، أي عبادة الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. يسعى المتصوفون إلى تحقيق القرب من الله من خلال تجربة شخصية مباشرة، وتجسيد الأخلاق الفاضلة مثل الإخلاص والتواضع والصبر والمحبة الإلهية. يركز التصوف على الجانب الباطني والروحي للدين، بالإضافة إلى الالتزام بالظاهر من الأحكام الشرعية. يُعد مفهوم الإحسان جوهرًا في التصوف، حيث يمثل أعلى درجات العبادة والسعي إلى الكمال الروحي. كما يلعب الذكر (تذكر الله) والمراقبة (التأمل) دورًا محوريًا في المنهج الصوفي، حيث يساعدان على تنقية القلب وتعميق الصلة بالله. وتُعتبر محبة الله قوة دافعة ومُحرِّكة في رحلة المتصوف الروحية.
تطور التصوف تاريخيًا من نزعات فردية ،نحو الزهد والتقوى في القرون الأولى للإسلام، إلى ظهور الطرق الصوفية في القرون اللاحقة، والتي تتميز بسلاسل نسب روحية محددة وممارسات وشعائر خاصة. يؤدي الشيخ أو المرشد دورًا أساسيًا في الطريقة الصوفية، حيث يمثل السلطة الروحية العليا ويوجه المريد (التابع) في رحلته الروحية. يؤمن المتصوفون بمفهوم الولاية (قرب العبد من الله) والكرامات (المعجزات التي قد تظهر على الأولياء) كعلامات على هذا القرب. يُشار إلى أن التصوف ليس كيانًا واحدًا متجانسًا، بل يشمل العديد من الطرق والمدارس المختلفة، لكل منها ممارساتها وتفسيراتها الخاصة، على الرغم من اشتراكها في المبادئ الروحية الأساسية.

جوانب الاختلاف الأساسية بين السلفية والتصوف

في مصادر التلقي والاستدلال
يرتكز المنهج السلفي على التفسير الحرفي للقرآن والسنة النبوية كمصدرين أساسيين ونهائيين للسلطة الدينية. بينما يعتمد المتصوفون أيضًا على الكتاب والسنة، إلا أنهم يضيفون إليهما دور التجربة الروحية، والإلهام (الكشف)، وإرشادات الشيخ أو المرشد كمصادر صالحة للفهم والممارسة الإسلامية. هذا الاختلاف في المنهجية المعرفية يؤدي إلى اختلافات جوهرية في تفسير النصوص الدينية والممارسات العملية. فبينما يركز السلفيون على الظاهر من النص، يولي المتصوفون اهتمامًا أكبر بالمعاني الباطنية والروحية التي قد تتجاوز الفهم الحرفي الظاهر.
في فهم التوحيد والأسماء والصفات
يؤكد السلفيون مفهوم توحيد الألوهية (وحدانية الله في العبادة) وتوحيد الربوبية (وحدانية الله في الخلق والتدبير)، مع إدانة شديدة لأي شيء يُنظر إليه على أنه يمس هذه الجوانب. أما الفهم الصوفي للتوحيد فيشمل غالبًا بعدًا عرفانيًا، يُعبر عنه أحيانًا بمفاهيم مثل وحدة الوجود، وهو ما ينتقده السلفيون بشدة باعتباره نوعًا من الحلولية أو وحدة الوجود. كما تختلف وجهات النظر في تفسير أسماء الله وصفاته، حيث يميل السلفيون إلى فهمها بشكل أكثر حرفية، بينما قد ينخرط بعض المتصوفين في تفسيرات مجازية أو رمزية أوسع. هذا الاختلاف الجوهري في فهم التوحيد يؤدي إلى اتهامات متبادلة بالشرك، حيث يرى السلفيون أن بعض الممارسات الصوفية قد تؤدي إلى الشرك.

في مفهوم البدعة والمحدثات

يتبنى السلفيون تعريفًا صارمًا للبدعة، باعتبارها أي ممارسة أو اعتقاد ديني لم يُشر إليه صراحة النبي صلى الله عليه وسلم والأجيال الأولى من المسلمين. في المقابل، يتبنى المتصوفون نظرة أكثر شمولية للبدعة، حيث يميزون بين البدع المذمومة والمحمودة، غالبًا بناءً على توافقها مع المبادئ الإسلامية العامة وفائدتها للمجتمع. على سبيل المثال، تُدان ممارسات مثل الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم (المولد النبوي) وزيارة القبور للتبرك بها باعتبارها بدعًا من قبل السلفيين، بينما يقبلها أو يشجعها العديد من المتصوفين. هذا التباين في تعريف البدعة يؤدي إلى خلافات كبيرة حول مشروعية العديد من الطقوس والممارسات الصوفية.

في مكانة الأولياء والصالحين والتوسل بهم

يؤمن المتصوفون بالمكانة الخاصة والسلطة الروحية للأولياء والصالحين وقدرتهم على التوسط عند الله (التوسل). في المقابل، يرفض السلفيون التوسل بالأموات وتقديس قبور الأولياء، معتبرين ذلك قد يؤدي إلى الشرك. كما تختلف وجهات النظر حول الكرامات المنسوبة للأولياء، حيث يراها المتصوفون غالبًا علامات على الارتقاء الروحي، بينما يؤكد السلفيون أن الالتزام الصارم بالقرآن والسنة هو المعيار الوحيد للتقوى. هذه القضية تعكس اختلافًا في فهم العلاقة بين الإنسان والله، ودور الوسائط الروحية في هذه العلاقة.

في الممارسات والشعائر التعبدية:

يركز المتصوفون على ممارسات مثل الذكر الجماعي (تذكر الله، غالبًا ما يشمل الترانيم والموسيقى والحركة)، وزيارة قبور الأولياء، والاحتفال بذكرى وفاتهم (العرس). ينتقد السلفيون هذه الممارسات باعتبارها لا تستند إلى السنة النبوية وتشكل بدعة. كما تختلف الآراء حول جواز وقيمة الموسيقى الدينية (السماع) والشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء (النشيد).
هذه الاختلافات في الممارسات التعبدية تعكس رؤى متباينة حول كيفية التعبير عن التدين وتحقيق القرب

و هذة لمحة بسيطة عن الشكل السطحي التكويني لكل منهما سوا كان التصوف ام السلف فعندما نسبر اغوار كل منهما نرى الفرق الشديد و الاختلاف الذي يجعل من الثاني عدوا للاخر

لكل من هما تفيسر مختلف عن الاخر
ايضاً من اهم اسباب الخلاف بين الصوفية و السلفية

تستند السلفية في منهجها بشكل أساسي إلى أربعة أصول: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والإجماع (إجماع السلف الصالح)، ونبذ البدعة (المحدثات في الدين). يولي السلفيون اهتمامًا بالغًا لمفهوم التوحيد بأبعاده المختلفة، سواء توحيد الألوهية (اعتقاد أن الله وحده المستحق للعبادة) أو توحيد الربوبية (اعتقاد أن الله هو الرب الخالق المدبر للكون). كما يتميز المنهج السلفي بالتشدد في رفض البدعة، التي تُعرف بأنها أي ممارسة أو اعتقاد ديني لم يرد به نص صريح في القرآن أو السنة، أو لم يكن معمولًا به في عهد السلف الصالح. بالإضافة إلى ذلك، يدعو السلفيون إلى نبذ التقليد الأعمى للمذاهب الفقهية، ويحثون على الاجتهاد المستند إلى الكتاب والسنة، مع فهمهما في ضوء أقوال وأفعال السلف.
شهدت السلفية تطورًا تاريخيًا معقدًا، حيث يمكن التمييز بين ما يُعرف بـ “السلفية التاريخية” التي يمثلها علماء مثل ابن تيمية (توفي 1328م)، وبين الحركات السلفية الحديثة والمعاصرة.
كان للشيخ محمد بن عبد الوهاب (توفي 1792م) وحركته الوهابية تأثير كبير على تطور الفكر السلفي، خصوصاً في مجال التوحيد ومحاربة ما يعتبرونه مظاهر للشرك والبدع. وفي القرن التاسع عشر، ظهرت حركة “السلفية الحديثة” التي قادها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، والتي سعت إلى إصلاح الفكر الإسلامي ومواجهة التحديات التي فرضها الاستعمار الغربي. ومع ذلك، يرى بعض السلفيين المعاصرين أن هؤلاء المصلحين كانوا متأثرين بالفكر العقلاني الغربي، وأنهم لم يلتزموا بالتفسير الحرفي للنصوص كما ينبغي.
تجدر الإشارة إلى أن مصطلح “السلفية” يضم طيفًا واسعًا من الآراء والحركات، حيث يمكن تصنيف السلفيين المعاصرين إلى مجموعات مختلفة، منها السلفيون “الأصوليون” الذين يركزون على الجانب العقدي والمنهجي، والسلفيون “الحركيون” الذين ينشطون في المجال
السياسي، والسلفيون “الجهاديون” الذين يدعون إلى استخدام العنف لتحقيق أهدافهم
من وجوه الحكاية ؟

ابطال السلفية

من ابرز الشخصيات التي قامت بمهاجمة الفكر الصوفي من التيار السلفي :
الألباني: ناقد شدد على الإحتفالات الدينية مثل المولد.
عبد العزيز بن باز،، ربيع المدخلي، محمد سعيد رسلان، أبو إسحاق الحويني: جميعهم لهم مواقف حادة تجاه التصوف.
محمد بن صالح العثيمين عالم سلفي بارز، انتقد الممارسات الصوفية مثل البناء على القبور والاستغاثة بغير الله
و امثال اخري كثيرة كانت عناصر موثرة في هذا الخلاف

و على الصعيد الاخر يوجد من يهاجم السلفيين

فرسان التصوف و علي رأسهم الامام الغزالي
و اشهرهم هو الشيخ علي جمعة و هو مفتي مصر السابق، من أبرز المدافعين عن التصوف السني، وله مواقف قوية ضد السلفية، خاصة في قضايا التوسل والمولد النبوي
و ايضاً نور الدين علي بن زكريا و هو شيخ الطريقة العزائمية و امثال اخرى كثيرة من مؤيد و معارض

و الان ننتقل لنسأل انفسنا اين الازهر الشريف و ما دوره في هذا الخلاف الذي من الصعب تحديده حتي الان ؟
هل السلفية والتصوف صراع فكري أم تكامل روحي؟
يعتبر الازهر الشريف من اقدم و اهم الؤسسات الدينية في العالم الاسلامي و يتميز بالوسطية و الاعتدال وقد ادى دورا كبيراً في تهدئة الخلافات بين التيارات الاسلامية المختلفة و ايضاً يقوم بتعزيز الفكر الوسطي
يدعو الازهر الي الجمع بين الالتزام بالشريعة و الانفتاح على مقاصدها العليا و يحذر من الغلو والتشدد سواءفي الاتجاه السلفي او في بعض مظاهر التصوف غير المنضبط
ايضاً يعترف الازهر بالمذاهب الاربع و يري في التصوف السني جزاءً من التراث الاسلامي بشرط ان يكون خاليا من الانحرافات
من خلال دار الافتاء و هيئة كبار العلماء يقدم فتاوي تراعي الواقع و تدعو الي احترام المختلف و تبتعد عن التحريض او التكفير .
ايضاً يقوم الازهر بتدريس لطلابه العقيدة و الفقه و التصوف مما يجعل الخريجين علي دراية بمختلف المدارس الفكرية و يخرج دعاه قادرون علي الحوار لا الصراع

و في النهاية
لو التقى سعيد وخالد مرة أخرى.. ربما يتفقان على شيء واحد وهو ان
الاختلاف لا يفسد للود قضية.. ما دام الأصل كتاب الله وسنة رسوله

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

يقظة أوروبا على صوت فلسطين

فى الأيام والأسابيع الأخيرة ، جرت تحركات أوروبية أعلى صوتا ضد حرب الإبادة والقتل الوحشى والتجويع...

ذكريات رأس بيروت

حدث أن كانت مواسم أعياد شهر رمضان المبارك. في هذا الشهر الكريم تكثر الزكاة والتطلع نحو العائلات...

لبيك يا نصر الله تستقبل نواف سلام في مدينة كميل شمعون !!

“لبيك يا نصر الله ” هو الهتاف الذي استقبل رئيس الحكومة نواف سلام ، اثناء دخوله الملعب الاخضر...

الهجوم على السفارة الاسرائيلية في واشنطن …..مشبوووه!

وهكذا … في خضم التحول العالمي وتحديداً الأوروبي نحو الاهتمام بمأساة الشعب الفلسطيني، الذي تخوض...

اين جثة ايلي كوهين ؟

جثة الجاسوس الصهيوني الأشهر ايلي كوهين ، ما زالت مدفونة في مكان سري في سورية ، حيث تعمد ضباط أمن...

الجريمة المؤجلة : قصتي مع عشيقتي ايفا براون.

أخبرني صديقي ادولف هتلر ،وهو يرتدي بذلته العسكرية. عن خططه لاحتلال العالم،عن تصنيفاته الخاصة...