الجمعة، 13 يونيو 2025
بيروت
27°C
غائم جزئي
AdvertisementAdvertisement

أهل الحق

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى:{الحق من ربك فلا تكونَّن من الممترين} سورة البقرة.
إن خير من التزم تعاليم نبينا الأكرم سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،هم السلف الصالح الذين صلَح أمرهم بالاتباع لهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهم أهل القرون الثلاثة الأولى من هذه الأمة ،الذين شملهم مدح النبي صلى الله عليه وسلم فعن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” رواه الترمذي. ولكن الخير لم ينقطع بعدهم بل هو محفوظ بحفظ الله تعالى، فقد أخرج أبو نُعيمٍ في “الحلية” عن الإمام علي قال: “لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة لئلا تبطل حجج الله وبيناته ،أولئك هم الأقلون عددًا الأعظمون عند الله قدرًا” والمراد أن الأرض لا تخلو ممن يُبين الحق بالدليل ويرشد الناس إليه، ويؤيد هذا المعنى ما رواه مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خَذَلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”
قال النووي في “شرح صحيح مسلم” “ويحتمل أن هذه الطائفة مفرَّقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم مُحدثون ومنهم زهَّادٌ وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ،ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث معجزةٌ ظاهرة فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث” ومعنى لا يضرهم من خذلهم أي ترك معاونتهم، وقوله: حتى يأتي أمر الله أي الساعة.
وإن الناظر في تاريخ أمتنا المجيد منذ فجر الدعوة المحمدية إلى يومنا هذا يرى أن لواء الحق الذي رفعه الصحابة الكرام من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما زال شامخًا ترفعه الأيدي الطاهرة جيلًا بعد جيل، فقد حمله خلف الخير بعد السلف الصالح فنشروا الأحكام وناضلوا عن حياض الدين مجتهدين ومحدثين وفقهاء وحفاظًا وصوفية وكان من عظيم العناية الربَّانية بهذه الأمة أن قيض لها إمامين جليلين، هما أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة 324 ه وكان شافعيًا وأبو منصورٍ محمد بن محمدٍ الماتريدي المتوفى سنة 333 ه وكان حنفيًا، قاما بنصرة عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ بعدما كانت المعتزلة وغيرها من الفرق المنحرفة عن جادة الصواب قد أثرت في الناس تأثيرًا كبيرًا، فكان لهذين الإمامين أثرٌ عظيم في إيضاح العقيدة الحقة بالبراهين الساطعة، ثم سار على طريقتهما بعد ذلك خلق كثيرٌ من أئمة المحدثين والفقهاء والأصوليين والنحويين واللغويين والقادة والسلاطين حتى صار يقال لكل من التزم عقيدة السلف الصالح بعد ذلك: أشاعرة وماتريدية واستمر خلف الخير يُدافعون عن الدين وينصرون عقائد الحق وينشرون أحكامه.
وهذا كله من عظيم لطف الله تعالى بهذه الأمة حيث قيض لها أئمة تبين الحقائق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فحُفظ بذلك الدين، ولا يزال محفوظًا رغم شذوذ الشاذِّين وانحراف المنحرفين، فبالرغم من تغير الزمان وانتشار الفساد وتوالي الفتن كقطع الليل المظلم ما زال في الأمة ولله الحمد من يهتم لعلوم الشريعة ومن هو متضلّعٌ في علوم القرآن والحديث والفقه، وكلهم من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ملتمسٌ وله بعلمه سند إلى أصحاب سيد السادات نبينا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وعلمهم مبنيٌ على أساسٍ متينٍ وقائمٌ على القواعد التي ثبَّتها المجتهدون من أصحاب المذاهب الأربعة وأئمة أهل البيت وغيرهم، وهؤلاء يقتبسون من فيوضات الزهد المحمدية والأخلاق النبوية والآداب الشرعية خلافًا لكثيرٍ من الجماعات التي تقوم على اجتهاداتٍ وآراءٍ خاصة مستحدثة، تُنافي في حقيقة الأمر أصول الدين وتُناقض البراهين التي دلت على الصواب وأجمعت عليها الأمة منذ قرونٍ طويلةٍ.
اتَّبع ولا تبتدع
وبسبب تشتت أفكار كثيرٍ من الناس وانجرافهم مع التيارات الفاسدة وتقلُّبهم بين هذه الجماعة وتلك أضاعوا البوصلة، فخلطوا بين الصحيح والباطل وظنوا السراب ماءً فهلكوا من حيث ظنوا أنهم نجوا وقديمًا قيل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
وهذا يقتضي أن يعرف المرء قدره فيقف عند حده ولا يخض في تأويلات القرآن والحديث ونصوص العلماء بالرأي السقيم، فكم نتفاجئ كل مدةٍ بإنسانٍ يخرج بتأويلاتٍ لم يُسبق إليها ويحاول أن يروجها بين الأمة بدعوى أنها الصواب وأن ما كان عليه أفراد الأمة عبر التاريخ غلط، حتى بلغت الوقاحة بأحدهم وهو المدعو: علي منصور الكيالي أن زعم أن الكون له أكثر من خالق واحتج لزعمه بقول الله تعالى:{فتبارك الله أحسنُ الخالقين} سورة المؤمنون. ولم يدر أن معنى أحسن الخالقين أحسن المقدرين لأن تقدير الله تعالى لا يخطئ ولا يتغيَّر أما تقدير غيره فيجوز عليه الخطأ والتَّغيُّر. وكلام الكيالي هذا منشورٌ على وسائل التواصل في اثناء محاضرةٍ له كان فيها بعض المشايخ المعمَّمين وهم للأسف يستمعون له من غير نكير.
ومن هنا وإزاء ما نشهده من فتنٍ فإننا ندعو إلى اتِّباع ما أجمعت عليه الأمة ونبذ شذوذ فلانٍ وفلانٍ فعن أنسٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم” رواه ابن ماجه.
فهذا الحديث معيارٌ عظيم لأهل الحق المنزهين لله تعالى عن صفات المخلوقين الدَّاعين إلى عقيدة الصحابة والآل والتابعين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر شكر الله سعيهم، وعلى هذا المنهج كل المعاهد والجامعات الإسلامية المعتدلة فإنهم هم السواد الأعظم وذلك لا يحتاج إلى برهان، فإنك لو نظرت إلى أهل الأهواء بأجمعهم مع أنهم اثنان وسبعون فرقة لا يبلغ عددهم عُشر أهل الحق وأما اختلاف المجتهدين فيما بينهم وكذلك اختلاف الصوفية الكرام والمحدثين العظام والقرَّاء الأعلام فهو اختلافٌ لا يضلل أحدهم الآخر”
وحيث علم هذا فالحذر الحذر من الأهواء وأهلها، لا سيما ونحن في زمنٍ نحتاج فيه إلى الالتزام الديني الناجع الذي لا تفريط فيه ولا إفراط ولا تطفُّل على الفتوى بغير هدىً.
والحمد لله أولًا وآخرًا.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

"سري للغاية"... "الشوربا" في مطابخ التجسس

بين فترة وأخرى، أريح القارئ من مشاكل السياسة وأنقله الى عالم آخر لأقدم له معلومة قيّمة جديدة  لا...

هل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بخير؟ طمّنونا !.

الاعتداء على الشيخ ياسر عودة في الشارع في حارة حريك ،هو دعوة لإعادة ترتيب المجلس الاسلامي الشيعي...

تحالفات نشر الفوضى… من " أزواد "

بعد ثلاث سنوات من القتل والنهب ،وإثر هزيمة نكراء منيت بها على يد أبطال ” أزواد ” في...

‎تأثَّرْنا وأسرنا

‎أصغر الكلاب أشدها نباحًا ‎يحاول كل شخص، وكل إعلان، وكل وسائل التواصل الاجتماعي ‎أن تقنعك بشيء،...

من اين اسم مادلين لسفينة الاحرار ؟

لعل قلة تعرف من اين جاءت تسمية “مادلين” للسفينة الصغيرة التي أبحرت من جزيرة صقلية متجهة إلى...