
في زمنٍ تتصاعد فيه نيران المنطقة بين إسرائيل وإيران، يعلو السؤال في وجدان كل لبناني: هل يمكن أن نبقى خارج هذا الجنون؟ وهل من الممكن أن ننجو هذه المرّة، إن نحن أحسنا اتخاذ القرار وإستجبنا لنداء العقل والضمير؟
لسنا في موقع رفاهية التحليل البارد، فنحن بلد أنهكته الأزمات والانهيارات المتتالية، بلد نصف شعبه إما مهاجر أو لاجئ أو ينتظر خلاصه على أبواب السفارات. لا قدرة لنا على تحمل مزيد من التشريد، ولا على فتح جبهة جديدة لا طاقة لنا بها. فهل من يسمع؟
في عزّ هذا التوتر الإقليمي، المطلوب من كل طرف داخل لبنان – مهما كانت مرجعيته أو دوافعه – أن يزن خطواته بميزان الذهب. المطلوب، دون مواربة، ألا يقع أحد في فخ المغامرات غير المحسوبة، وألا يُستدرج لبنان ليكون صندوق بريدٍ لتصفية حسابات الغير. كلمة الحق تقال: أي خطوة ناقصة اليوم، أي رصاصة في غير محلها، كفيلة بأن تفتح أبواب الجحيم على هذا البلد المنهَك.
ربما لا يمكن تسمية الأمور بأسمائها في كل مرة، لكن الحقيقة تفرض نفسها: هناك من يتربّص بهذا الوطن، وهناك من لا يمانع في إحراقه لأجل قضايا لا تمتّ إلى المصلحة اللبنانية بصلة. قد تكون هذه الجهات محلية أو وافدة، منظمة أو فالتة، لكنها في النهاية تُراهن على إغراق السفينة، غير عابئة بمن فيها.
في الحروب الكبرى، تُراعي الدول مصالحها أولاً، تُحصّن جبهاتها الداخلية وتدير أزماتها بحكمة. فهل نملك رفاهية أن نكون أكثر “فدائية” من أصحاب الشأن أنفسهم؟ ألا يكفينا ما مررنا به، حتى نعيد الكرّة ونسير نحو المجهول من جديد؟
ما زال هناك خيط أمل، وإن بدا هشاً. خيط يجب ألا نقطعه بأيدينا، لأنه إن انقطع، فلن يبقى لنا ما نتمسك به. الصمت الحكيم أحياناً أبلغ من الكلام، وقد يكون الحياد المبدئي في بعض اللحظات قمة الوطنية. فلنُشغّل ضميرنا، ولنتذكّر أن مصلحة اللبنانيين يجب أن تكون فوق كل شيء، وألا نكون وقوداً لحروب الآخرين.
لعل من يضع عقله في رأسه، يعرف خلاصه. وفي هذا البلد الذي لا يحتمل المزيد، أي خلاص مشترك يبدأ من قرار فردي بعدم الإنجرار….. من صوت داخلي يقول: “لا”، حين يكون قول “نعم” أقصر طريق إلى الهاوية.