
أصغر الكلاب أشدها نباحًا
يحاول كل شخص، وكل إعلان، وكل وسائل التواصل الاجتماعي
أن تقنعك بشيء، وكأنها تسلط الأضواء على ضعفٍ ما بداخلك، ونقصٍ ما لديك، وأنك تريد هذا لتصبح ذاك، وتريد ذاك لتصبح ذلك، وتريد وتريد وتريد
وأن عقلك أقل بكثير مما يحدث، وأن القيم هي قيم الوعي الجمعي، وأن الجمال له صور محددة، وأن النجاح والسعادة لهما أشكال معينة وقوالب محددة، وأنك إن لم تستطع أن تضع نفسك في هذه الأشكال والقوالب، أصبحت فاشلًا غير مرغوب فيه
ماذا فعلت بنا ثقافة الاستهلاك؟
هل فكرت يومًا: هل ذلك لمصلحتك حقًا؟ أم لمصلحة شيء أكبر منك؟
فاليوم فقط، أظن أنني شعرتُ بمعنى كلمة: “إن الله من يعطيه نعمة الرضا فقد أعطاه العالم”،
وبمعنى كلمة “طموح”، وما الفرق بين طموحك، وما هو متعارف عليه وتريد أن تصبح مثله
ما معنى سعيي؟ هل هذا صوتي الداخلي، أم القافلة تسير؟
هل يومًا سألت: ماذا تريد من الترند؟ هل هذا حقًا ما يناسبك؟
أم أنت تابع ليس إلا؟
هل صراعاتك الداخلية هي لك حقًا؟ هل هي مشاكلك فعلًا؟
فعندما تذهب إلى مكان لتقضي إجازتك، أو لتأكل في مطعم، وتصادق شخصًا، أو تحب نوعًا من أنواع الموسيقى، والثقافة، والأفلام، والأشياء المحيطة بك… هل هذه الأشياء تسعدك فعلًا؟
هل تجد بها راحتك؟
هل تشعر بالرضا عنك أو عن اختياراتك في الحياة؟
هل أصدقاؤك حقًا مرآة لك؟ هل هم سند لك؟
أم تهتم بأن تصارع لتذهب لأغلى وأشهر الأماكن، لتأخذ الصور، لتصبح أفضل من غيرك، لتصادق من هو في القالب الذي أُعدّ مقياسًا، وأنت لم تقتنع به يومًا؟
إذا كنت تشعر الآن بهذا، أو قمت بسؤال نفسك هذه الأسئلة،
فأهلًا بك في معرفة الفرق بين وعيك، والوعي الجمعي، وسياسة الاستهلاك
عند الرجوع إلى ذكرياتك القديمة، والتفكير في أيام الطفولة، ورحلات المصيف، وتجمع العائلة،
أتذكر أبي، أنه كان دوماً يضع الكاميرا في يده لأخذ أهم لقطات الفرح، والتجمع، والحب، والفرحة التي تجمعنا، والتي أيضًا سوف نشاهدها طوال الشتاء، لننتظر الصيف ونخلق ذكريات أكثر بيننا
وكنا حقًا نهتم للآخر، لو رأينا أحدنا صامتًا، أو حتى نائمًا، أو يريد شيئًا، كنا نهتم حقًا أن نكون سويًا، سعداء
لم نهتم يومًا أين المكان الذي سنذهب إليه، هل هو مشهور أو باهظ الثمن؟
من سيرى ماذا أرتدي؟ هل كررت هذه الملابس في صورة اليوم؟ ما عدد المشاهدات؟
حقيقي، أصبحت أشفق علينا جميعًا،
كأننا أصبحنا اليوم في حرب… حرب مع الآخر في دائرة من المقارنات،
حرب على شيء ليس حقًا في داخلنا، ولم نبحث عنه يومًا في أحلام الطفولة، التي لا نستطيع حتى تذكرها اليوم
متى كانت آخر مرة سبرتَ أغوار روحك؟ ماذا تعرفه عنها؟
وإذا كنت تعرف حقًا،
هل تستطيع أن تغيّر المسار؟
راضٍ بأن تجبر نفسك على أشياء لا تريدها لتضع نفسك في نفس القالب الذي فرضه عليك المجتمع؟
هل هذا ما يريده عقلك الباطن؟ أم أنت نائم ومشلول الفكر؟
هل أنت حقًا حر؟
أم أنت أسير لما يجب أن تتبعه حتى لا تصبح منبوذًا، ولديك عقلك المنفرد بك؟
هل صوتك حقًا ما تملكه، أم ما يملكه الآخر؟
رائع أن يكون عندك طموح
مدهش أن تكون مسموعًا
جميل حقًا أن يكون لديك هدف، وأن تكون ناجحًا
ولكن تأكد دومًا: هل هذه هي فعلاً حربك؟
مع كل الأسف، لقد أُنتج جيلٌ كامل من الناس يظنون أن سماع شخص يتحدث عن مشاعره، مثل الخوف أو الفشل أو أي شعور سلبي
أو اختيارك لصديق حقيقي للتحدث معه بصدق عن مشاعرك أو ما يحدث معك
يجعلك شخصًا سلبيًا، ويصبح ما تحدّثت به، لا أمانة وضعتها به أو ثقة، بل سلاحًا جيدًا يُحاربك به
وأصبح فينا جميعًا شكٌّ في بعضنا البعض، وتقديرٌ دائم لسوء الظن
حتى يصبح لديه مصلحة ما معك، أو تصبح في القالب الاجتماعي
فتصبح أغلى صديق وأغلى حبيب
مع كل الأسف، أصبحنا يا عزيزي مزيفين
للأسف، يجب ألا تعبّر عن صدق شعورك، أو اعتراضك، أو حقيقة رأيك
وأن تكون شخصًا غيرك
وأن اللطف، والتضحية، وكل من كان هيّنًا ليّنًا
فهو ضعيف
أو أن تكسر وتحطّم الدوائر، وتختار نفسك الحقيقية
ما أكتبه الآن بسبب محادثة دارت بيني وبين صديق الطفولة
الذي يهاتفني بين كل حين وآخر
”صديقي، كيف حالك؟ اشتقت إليك حقًا. وكيف حال البلدة الجديدة التي سافرت إليها؟ احكِ لي، هل أنت سعيد الآن؟”
كان شعوري في غاية الحماس لسماع أخباره الجديدة، وأنه وصل إلى الحلم الذي طالما أراد تحقيقه
فأجابني بصوت لم أسمع فيه أي نوع من الحماس أو السعادة
بل إنه يشعر بعدم الرضا بأي شيء، وأنه خائف، وأنه في حرب.
كل من حوله يريد أن يثبت نفسه بكل الطرق
وهو داخل هذه الحرب، وقد استطاع أن يفوز بها
وحقق الكثير من المال والنجاحات، وأصبح لديه أكثر بكثير مما كان يتمنى
لكنه غير سعيد
ويشعر دومًا أن هناك شيئًا ناقصًا، وأن عليه فعل المزيد
مع أنه أصبح لديه أحدث الأشياء من كل شيء
لكنه لا يشبع، ويرى العالم مثله… لا يشبع
وأن الطموح لا يقف، وأنه لا يوجد شيء كافٍ
وأنه يخاف من ذلك
فأخذت نفسًا عميقًا، ثم أجبته
من الجمال أن تكون إنسانًا
وأنني أشعر به تمام الشعور
وأنني كنت مثله يومًا، ولا أعلم: هل هذه استراحة محارب التي أنا بها الآن، أم استطعت أن أحطّم هذه الدوائر، واخترت لنفسي ما يناسبني الآن؟
اذهب يا صديقي داخل روحك، واعتزل هذه الحرب لفترة، حتى لو كانت قصيرة
أعد جميع حساباتك، وادخل داخل وعيك الحقيقي
افعل مثل الصوفية، ادخل في خلوة مع ذاتك،
أعد ذكرياتك، أعد ترتيب مشاعرك، تعرّف على ذاتك
تذكّر أحلامك الحقيقية، ونسختك الأصلية
عليك الشفاء من نفسك الآن
صديقي، لقد أصبحنا ضحايا للنجاحات المزيفة
النجاح الحقيقي ليس له معيار أو قالب
أن تستطيع النوم براحة
أن تستمتع بكوبٍ من الشاي
أن تجلس مع صديق وترتاح معه حقًا دون التفكير
أن تكون حقًا على سجيتك
ان يكون لديك اسرة صغيرة سعيدة فهذا كله نجاح النجاح هو ان تجد نفسك الحقيقية ان تسعي وراء احلامك انت لا غيرك
لقد أصبحنا ضحايا الاضطرابات النفسية وحالات الاكتئاب يا صديقي لقد افتقرنا الرضي الحقيقي والحب والصداقة في عالمنا التكنولوجي الحديث
كل شيء لدينا اصبح اسهل بطاقات الكترونية تستطيع التسوق من جميع انحاء العالم من السهل الحصول علي اموال
فقد أصبحت الازمة ليست مادية بل هي ازمة الهوية..
حب يا صديقي مثل الصوفية التي مهما غبت عنها ارجع لأخلاقها المربية
مع ذلك انا امتن واشعر بالشكر الكبير لتجربتي هذه واشكر كل من خذلني في هذه الرحلة لو لم أكن مررت بهذه التجربة لم اكن يوماً اشعر حقاً بما انت تشعر به الان