الأحد، 8 يونيو 2025
بيروت
31°C
سماء صافية
AdvertisementAdvertisement

في اصطناع الميليشيات

جريدة "المصري اليوم"

فى إسرائيل حالة من التحدى واللغط، عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية، بين الوز السابق «إفيجدور ليبرمان»، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، ورئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، بالتأكيد هناك المنافسة أو المكايدة السياسية، لكن توجد أيضًا الأزمة الطاحنة التى تعيشها إسرائيل منذ عملية السابع من أكتوبر سنة 2023، كشفت الأزمة توحش إسرائيل وقدرتها على التدمير، ومع ذلك لم تحقق أهدافها المعلنة ولا يمكنهم الادعاء بأنهم حققوا نصرًا، ومن هنا غضب ليبرمان وغيره داخل إسرائيل من الحكومة الحالية، الغضب من فشل نتنياهو فى التعامل مع أزمة المختطفين لدى حماس.

قبل عدة أسابيع اتهم ليبرمان رئيس الوزراء بالمسؤولية عما يجرى منذ يوم السابع من أكتوبر قبل الماضى، بل وصل إلى اتهام نتنياهو بأنه «تواطأ» مع قادة حماس فى الداخل للوصول إلى هذا المشهد، عنده أن نتنياهو هو من توسط لدى قطر لتزيد المبلغ الشهرى لحماس، وكان المبلغ يصل إلى قادة حماس عبر مكتب نتنياهو، وأن الأخير منع الجهات الأمنية من اتخاذ أى إجراء تجاه زعماء حماس، بل لم يأخذ بجدية تحذيرات الضباط الميدانيين عما تقوم به حماس من تدريبات واستعدادات لهجوم السابع من أكتوبر. لكن كل تلك الأقوال أو الاتهامات لا يصعب تفنيدها، وعمومًا لم تؤخذ على محمل الجدية داخل إسرائيل ولا فى العالم العربى.

لكن ما قاله ليبرمان فى الأيام الماضية يجب أن نتوقف عنده، إذ اتهم رئيس الوزراء نتنياهو بأنه يقوم بتسليح «مجرمين ومتطرفين» من غزة بدعوى أنهم أعداء حماس ويتصدون لها، وأنه فعل ذلك دون الرجوع إلى مجلس الوزراء.

المفاجأة أن نتنياهو أقر بالعملية وقال: «بناءً على نصيحة الجهات الأمنية قمنا بتشغيل العشائر التى تعارض حماس»، وقال أيضًا: «هذا جيد، ينقذ حياة جنود. الكشف عنه يفيد حماس فقط».

حركة حماس من جانبها تدرك الأمر وأقرت بوجود «ميليشيات مسلحة» تتعاون مع الاحتلال وتقدم له العديد من الخدمات.

تقوم تلك الميليشيات بتقديم معلومات وخدمات أخرى لجيش الاحتلال أو عمليات سرقة للمعونات الغذائية المحدودة التى تصل إلى القطاع، بل سرقة سلاح مقاتلى حماس الذين يستشهدون وبيعه أو تسليمه للإسرائيليين.

أطلقت حماس على هؤلاء «وحدة مستعربين»، لكن من أبناء القطاع، تمكنت حماس من إطلاق النار على بعضهم، طبقًا لبعض التقارير سقط منهم أربعة وأصيب ضعف ذلك العدد، لوحظ فى الأيام الأخيرة أنهم يتركزون قريبًا من معبر «كرم أبوسالم»، حيث تصل المعونات، وفى مدينة رفح جنوب القطاع، قريبًا من الحدود المصرية، واحدة من تلك الميليشيات قادها مجرم سابق وقيل إن أفرادها تجاوزوا العشرات، وبسبب أفعال تلك الميليشيات أو العصابات المسلحة ذهب بعض المحللين إلى أن حماس لم تعد تسيطر على القطاع، وأن زمام الأمور على وشك الإفلات منها.

نحن بإزاء «بيان على المعلم»، فى اختلاق واصطناع ميليشيات مسلحة لتفجير المجتمع من داخله، ومع الوقت تصبح تهديدًا حقيقيًا للمجتمع وتفتته من داخله.

لنتذكر أن حماس بدأت هكذا، هناك اعتراف قديم بذلك من إسحق رابين، وزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق، ثم تكرر الاعتراف على لسان شيمون بيريز، كان الهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية وهدم كاريزما الزعيم الراحل ياسر عرفات.

مخاوف ليبرمان وغيره من المعارضين- الآن- أن تلك الميليشيات الجديدة فى لحظة يمكن أن توجه السلاح الذى قدمه لهم نتنياهو نحو إسرائيل.

تلك مخاوفهم، لكن- عمليًا- الاحتلال يقوم عن قصد بتخريب الحركة الوطنية الفلسطينية والحيلولة دون أن تكون كتلة متماسكة وملتفة حول المشروع الوطنى الفلسطينى وبناء الدولة المستقلة.

فى ظروف الاحتلال القاسية، لا يصعب على المحتل أن يجد متعاونًا، من يؤثر السلامة ومن لا يعنيه سوى تجنب مشكلات المعيشة اليومية، وهناك كذلك من يسعى نحو الخيانة أو يتم استدراجه إليها.

لكن الذهاب إلى العشائر وتغذية النزوع العشائرى حينًا والطائفى حينًا آخر، حاولوا ذلك مع الدروز فى سوريا مؤخرًا، ثم تكوين ميليشيا وتسليحها، فضلًا عن تزويدها بأشد الأفكار تشددًا وابتعادًا عن مشروع الاستقلال والتحرر، جريمة متكاملة، وإن لم نعرها اهتمامًا كبيرًا، ولعلنا ندرك الآن شطط بعض الفصائل الفلسطينية بما يهدد وينسف فى بعض اللحظات عدالة القضية الفلسطينية وأحقية الشعب الفلسطينى فى نيل الاستقلال، وربما نفهم لماذا تجعل بعض هذه الفصائل عددًا من الدول العربية العدو الأول لها.

هذا بعض مما قامت وتقوم به إسرائيل فى غزة، ترى ماذا عما تقوم به فى الدول والمجتمعات المحيطة بها، لعلنا نتذكر ميليشيا سعد حداد فى لبنان عقب اجتياح بيروت سنة 1982.

ما سبق كله معلن، يعترف به رئيس الوزراء الحالى، فضلًا عن رؤساء وزراء سابقين، عرفنا تفاصيله من مناقشاتهم وخلافاتهم، فماذا عما هو غير معلن وبقى فى طى الأجهزة السرية؟ هل الأمر يتوقف على عصابات اللصوص والمجرمين والمتعاونين فقط أم يمكن أن يأخذ أشكالًا وطرقًا أخرى، فى الذاكرة- مثلًا- الرائد «إيلان جرابيل» ضابط الموساد الذى استوطن ميدان التحرير فى يناير سنة 2011، ومنه مع مجموعة من الشباب إلى جامع عمر مكرم، وتكشف الكثير من الخبايا فور أن أمسكت به المخابرات العامة.

وهنا يمكن أن نلاحظ كثرة الميليشيات فى عدد من الدول العربية تحديدًا وما حولها، مفرخة ميليشيات، يتناسل بعضها من بعض أو ينشق بعضها عن بعض.

يمكن أن نرصد كذلك أن بعض تلك الميليشيات تركز على الدول التى تحاول التصدى للمشاريع الإسرائيلية وعرقلتها أو تحاول اقتياد المجتمع نحو محرقة داخلية وأولويات تعطل التنمية وقد تسقط الدول.

الميليشيات لا تُصنع اعتباطًا ولا تظهر فى نوبة حماس، بل هناك من يخطط ويدير ويحرك العرائس.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

سلاح الهمج يباع في لبنان

بمناسبة اكتشاف بيع مسدسات في شمالي لبنان ، مصنوعة في الكيان الصهيوني ( كتب عليها صنع في ”...

لا الصبر الاستراتيجي نافع ولا دخول الحرب مفيد.

قصف الضاحية بوحشية  غير مقبول ابداً. ما عاد الوضع مقبولا ابداً،ان يهدد العدو الأصيل ساعة يشاء ،وان...

من كيس أبي هريرة

سيل من الأكاذيب الباطلة قذفته الروايات في كتب الحديث لتبديل الدين وتزييفه، حتى حاد هذا الدين عن...

قلق في تل أبيب من حديث إيران عن الاستيلاء على آلاف الوثائق من البرنامج النووى الإسرائيلي

وحدة الشئون الإسرائيلية  حالة من القلق تضرب إسرائيل خلال الساعات الأخيرة مع الكشف الإيرانى عن...

يحصل لاول مرة في فرنسا

المحكمة المتخصصة بقضايا الأرعاب في فرنسا تقبل ،لأول مرة ،دعوى ضد متهمين بالتواطؤ مع جريمة الإبادة...

في ليلة العيد… صواريخ بدل التهاني

كانوا يقولون يومًا: “ما بعد بعد حيفا”. لكن يبدو أن البعد لم يعد جغرافيًا فقط. يبدو أن المسافة التي...