السبت، 19 أبريل 2025
بيروت
25°C
سماء صافية
AdvertisementAdvertisement

جواز الزواج بين العيدين

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:{ولا تقولوا لِمَا تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يُفلحون} سورة النحل.
قد شاع عند بعض الناس تحريم الزواج بين العيدين وشاع عند بعضهم أن الزواج بين العيدين شؤمٌ وهذا اعتقادٌ فاسدٌ وقولٌ باطل لا يدلُّ عليه دليل ولا يقوم عليه برهان إنما هو كذبٌ وافتراءٌ على الشريعة، وقد رأيت أن أُبيِّن في مقالٍ مقتضبٍ فساد اعتقاد من رأى ذلك ولكني أقدم قبل ذلك مقدمةً لطيفةً فأقول:
إن التحليل والتحريم والوجوب والمشروعية والاستحباب والكراهة كلُ ذلك لا يُعلمُ شىءٌ منه إلا بالشرع ولا يستقلُّ العقل بمعرفة شىءٍ من ذلك، لأن التحليل والتحريم إنما كان بالوحي من الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم والله يُحلُّ ما يشاء ويُحرِّم ما يشاء وإنما يشهد العقل السليم بصحة ذلك وتصديقه وبالتالي: فليس لأحدٍ أن يُقرر شيئًا من ذلك برأيه البحت بعيدًا عن دليل الشرع.

وإنما يدور العاقل مع الدليل فما حرَّمه أو أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم اعتقدنا الحكم فيه على ما قاله النبي المعصوم عن الغلط في التشريع الذي قال ربنا تعالى فيه:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى} سورة النجم.
والقاعدة التي قرَّرها العلماء كالحافظ ابن حجرٍ في “الفتح” وغيره “أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك” وهي مأخوذةٌ من حديث أبي ثعلبةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله تعالى فرضَ فرائض فلا تُضيِّعوها وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها” فقوله صلى الله عليه وسلم: “وسكت عن أشياء” أي ترك النص على حكمها فلم يُصرِّح فيها بفرضيةٍ أو حرمةٍ أو كراهةٍ أو استحباب، وليس المعنى أن الله تعالى يوصف بالسكوت الذي هو كصفات المخلوقين، فقد دلَّ العقل والنقل على تنزيه الله عن مماثلة المخلوقين وقوله: “رحمةً لكم غير نسيان” أي رحمة من الله بعباده ورفقًا بهم حيث لم يُحرمها عليهم فيكون المسكوت عنه معفوًا عنه أي لا حرج على فاعله، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في رواية إسحاق بن راهويه لهذا الحديث ولفظه: “وعفا عن أشياء من غير نسيان” وحيث أحلَّ الله تعالى النكاح ولم يُقيد الشرع هذا الحِلَّ بزمنٍ دون آخر ولم يأت نصٌ بحرمة النكاح في وقتٍ دون سواه فلا يسوغ لأحدٍ أن يحكم بتحريمه في زمنٍ معينٍ كبين العيدين أو غيره، وبالتالي: فليقف طالب الحق عند حدِّ الشرع ولا يتكلَّمن في التحريم بالرأي السقيم ولا بالأوهام أو الظنون، فإن أحكام شرع الله ليست موازنةً تُناقش في مجالس المؤسسات أو الشركات فيحذف بعضها ويترك بعض، وحيث قد حرَّم بعض الناس الزواج بين العيدين بلا حُجَّةٍ فلا عبرة بقولهم ولو اعتقده ألوف الناس لأن العقائد الفاسدة لا تنقلب صحيحةً بكثرة معتقديها.
النكاح بين العيدين
وفي بيان حكم إباحة النكاح بين العيدين نقول:
روى مسلم في “صحيحه” عن عروة عن أم المؤمنين السيدة عائشة قالت: “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شَوَّال وبنى بي في شوال فأيُّ نساءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحظى مني” قال عروة: “وكانت عائشة تَستَحبُّ أن تُدخل نِساءها في شوال” أي تستَحب لمن كان خطب امرأةً أن ينقُلها إلى داره ليبنيَ بها في شهر شوال وذلك بين العيدين.
قال النووي في “شرح صحيح مسلم” “فيه استحباب التزويج والتَّزوج والدُّخول في شوال وقد نصَّ أصحابنا على استحبابه واستدلُّوا بهذا الحديث وقصَدت عائشة بهذا الكلام ردَّ ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيَّله بعض العوامِّ اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيَّرون (يتشاءمون) لما في اسم شوَّال من الإشالة والرَّفع” يقال في الناقة: “شال لبنها أي ارتفع أي نَقَص”
وبالنظر في قول السيدة عائشة: “فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحظى مني” يظهر أن ذلك ليس شؤمًا إذ كانت السيدة عائشة أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه في وقتها كما يشهد لذلك حديث عمرو بن العاص وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إليك قال: عائشة قال: فقلت: من الرجال فقال: أبوها قلت ثم مَن قال: عمر بن الخطاب فعَدَّ رجالًا” رواه البخاري. فقد كانت أحبهن إلى قلبه الشريف وحظيت بما لم تحظ به غيرها مع أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها كان بين العيدين.
وفي “تاريخ دمشق” للحافظ ابن عساكر ما نصه: “وفي هذه السنة يعني سنة أربع تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية في شوال”.
وفيه أيضًا: “وفي هذه السنة يعني سنة سبع تزوج (أي النبي صلى الله عليه وسلم) صفية بنت حُيي في شوال”
وحيث ثبت هذا فكيف لقائل أن يُحرِّم بعد ذلك الزواج بين العيدين أو يقول هو شؤم فالحذر الحذر فإن هذا القول فيه ردٌ لما جاء في الشرع ومعارضةٌ لما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا خلطٌ وتحريفٌ يدل على جهل قائله أو عناده،
فليتق الله امرؤٌ وليحذر من الخوض في مسائل الشرع بغير هدىً ولا دليل فإن الدِّين غالٍ وقد نصَّ على جواز النكاح بين العيدين جماعةٌ من الفقهاء كابن عابدين من الحنفية في “ردِّ المحتار” المعروف بحاشية ابن عابدين وشمس الدين الرملي الشافعي في “شرح زُبَد ابن رسلان” وقال باستحباب عقد النكاح في شوال والرُّعيني المالكي في “مواهب الجليل” وقال باستحباب عقد النكاح في شوال أيضًا، وفي كتاب “المنْتَظَم” للحافظ ابن الجوزي الحنبلي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج السيدة زينب بنت جحشٍ في ذي القَعدة أي بين شوال وذي الحجة أي بين العيدين.
فعليك بالحق فالزمه والحمد لله أولًا وآخرا.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

الاسباب الدينية للدعم الاميركي للكيان الصهيوني

في بداية القرن 19 راج فكر المذهب البروتستانتي في الولايات المتحدة، اثر هجرة الطوائف البروتستانتية...

ماذا بين نقابتي اطباء بيروت والشمال ؟

آليت على نفسي ان لا ادافع عن شريحة الأطباء ،لقناعتي ان معظم أطباء لبنان لا يتميّزون عن معظم الشعب...

وزير الخارجية الصهيوني نجا من الاعتقال في بريطانيا ؟

تم الكشف منذ يومين ، عن أن وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر الذي كان يزور المملكة المتحدة في رحلة...

عن سحب السلاح واستراتيجية الدفاع الوطني

تكثّف في الفترة الأخيرة الحديث عن سحب أو نزع السلاح وحصريته بيد الدولة وبموازاته عن ضرورة اعتماد...

الرجل التافه يتقدّم ،يتمدد ويتكاثر-3-

ما زال الرجل التافه يسفّه الحكايا،يشوّه سيرة الشرفاء،يصرّ ان لكل اخلاقيّ هدف حقير خفيّ غير معلن...

كي تموت عليك أن تعيش اوّلاً...

قبل أن تموت لا تنسى ان تعيش ،فأوّل شروط الموت ان تكون حيّاً، قبل أن تنتقل من دار الحيرة إلى دار...