
منذ أشهر طويلة، تتعامل بعض المنصات الإعلامية والمنظمات الدولية مع ما يجري في قطاع غزة ،على أنه أزمة نزوح جماعي أو “خطر تهجير”، وكأن الأمر مجرد حركة سكانية مؤقتة تستوجب حلولًا إنسانية.
لكن الحقيقة على الأرض تفرض توصيفًا أدق وأخطر: ما يجري في غزة هو إبادة جماعية ممنهجة، تُنفَّذبتواطؤ أمريكي.
وصمت عربي
هذه ليست حربًا تقليدية بين جيشين، وليست مجرد “رد فعل” على السابع من أكتوبر، بل هي عملية تطهير عرقي شاملة تهدف إلى اقتلاع الوجود الفلسطيني من غزة، وإعادة تشكيل المشهد الديمغرافي والسياسي للمنطقة بما يخدم المشروع الاستعماري الصهيوني.
الاحتلال لا يسعى فقط إلى تهجير السكان أو تفريغ غزة، بل يتعمد تفكيك المجتمع الفلسطيني من جذوره:
انه يستهدف البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج،
يفرض سياسة التجويع الجماعي كأداة حرب،
ويشن عمليات إبادة يومية عبر القصف، والحصار، والحرمان من الغذاء والدواء.
أكثر من 600 يوم من العدوان المتواصل، تؤكد أن ما يحدث ليس عملية عسكرية لها أهداف محددة، بل حرب إبادة مفتوحة، تستهدف الإنسان والمكان والهوية.
حين أسأل في الإعلام عن “التهجير”، أقولها بوضوح وصراحة:
نحن لا نواجه خطر التهجير فقط، نحن نواجه مشروع إبادة حقيقية.
ما يجري في غزة هو جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان، تُنفذ على مرأى العالم ومؤسساته، وبدعم من القوى الكبرى التي تبرر المجازر تحت ذريعة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
لهذا، فإن الانشغال بالقضايا الجانبية في هذه اللحظة المصيرية مضلل وخطير.
لا مجال للبحث في التفاصيل قبل وقف المجازر،
ولا قيمة لأي حديث عن الإعمار أو التسويات أو مستقبل غزة، ما لم يُوقف العدوان ويُكسر الحصار.
أما الدول التي تتحدث عن “منع التهجير”، فعليها أن تتحلى بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية.
منع التهجير لا يبرر السكوت عن الإبادة.
غزة لا تحتاج إلى حماية جغرافية فحسب، بل إلى موقف سياسي عربي موحّد يُجبر الاحتلال على وقف حربه الإجرامية، ويعيد الاعتبار للحق الفلسطيني المشروع في المقاومة والتحرر.
كذلك، لا يمكن تجاهل فشل المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة والمحاكم الجنائية، في اتخاذ أي إجراء رادع بحق الاحتلال، على الرغم من توفّر الأدلة على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
السلطة الفلسطينية أيضًا تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المشهد.
عجزها عن اتخاذ خطوات سياسية وقانونية فاعلة، وترددها في وقف التنسيق الأمني، وإصرارها على البقاء في مربع العجز، أفقد القضية الفلسطينية أحد أعمدتها الرسمية.
لقد وصلت الأمور إلى لحظة فاصلة، وعلى الجميع أن يحدد موقعه:
إما أن يكون في خندق الشعب الفلسطيني،
أو يُسجل اسمه في صفحات المتواطئين، وإن بصمت.
الصمت اليوم ليس حيادًا… بل شراكة في الجريمة.
والتاريخ لن يرحم من وقف متفرجًا على دماء الأطفال، وأنقاض المنازل، وجثث العائلات تحت الركام.
هذه الإبادة لن تتوقف عند غزة.
إن لم يتم ردع الاحتلال ومحاسبته، فإن النموذج سيتكرر، وستُفتح شهية العدو لمزيد من الحروب على الضفة والقدس، بل وربما أبعد من فلسطين.
الواجب واضح وقف الإبادة فورًا، بكافة الأدوات السياسية، القانونية، والميـدانية.
ثم يُعاد ترتيب المشهد، ويُعاد بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أساس المقاومة، والوحدة، والكرامة.