السبت، 19 أبريل 2025
بيروت
20°C
غائم جزئي
AdvertisementAdvertisement

الاسباب الدينية للدعم الاميركي للكيان الصهيوني

في بداية القرن 19 راج فكر المذهب البروتستانتي في الولايات المتحدة، اثر هجرة الطوائف البروتستانتية التي استولت عليها فكرة الحرب الكونية في نهاية الايام، والتي وصفوها بأنها ستكون حرباً مدمرة بين اليهود والمسلمين، وقد اعتبروا ان امريكا هي كنعان الجديدة، زاعمين ان الله اختار العنصر الانجلوساكسوني الابيض لقيادة العالم.
وقد كان بداية التوجه المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو الايمان بالصهيونية عن طريق عدد من المؤسسات تأسست لتشجيع اليهود ودعمهم من اجل اقامة مملكتهم ،في الوقت الذي ساهمت فيه عقيدة دينيه عرفت باسم المورمونية تأسست عام 1820م على يد شخص يدعى جوزيف سميث، وكان منتسباً لمحفل الماسونية وهو الذي قام بنشر هذه العقيدة في اربعينيات القرن التاسع عشر ،واتخذت اسمها من كتاب اصدره سميث باسم مورمون، ومن هنا تكونت علاقة قوية بين المورمون والماسونية، وكان اصحاب العقيدة المورمونية ينظرون الى جوزيف سميث على انه نبي امريكا.
من ابرز عقائد المورمونية الايمان الشديد بالكتاب المقدس وضرورة اعادة جمع اسرائيل واستعادة الاسباط، وان صهيون هي اورشليم الجديدة، وان المسيح سيسود الارض لتكون متجددة ومجيدة. كذلك يؤمنون بضرورة بناء الهيكل وبذل الاموال لبنائه والاسهام في ازاله جميع الاماكن الإسلامية المقدسة ،وعلى راسها المسجد الاقصى.
ايضا يعتقد اتباع المورمونية، ان المسيح ظهر لمجموعة من الناس في الولايات المتحدة بعد قيامته وصعوده الى السماء، مما ادى الى اعتراضات من جانب الكنائس المسيحية، التي اعترضت ايضا على عقيدتهم بأن جوزيف اختاره الله ليكون نبياً لهم مثله مثل موسى عليه السلام، وان عملية الوحي الالهي لا تزال مستمرة، وهو ما يناقض اقوال المسيحيين ان الوحي قد انتهى برحيل تلاميذ المسيح ،وكذلك عصر الانبياء. وقد ادت هذه الخلافات الى وقوع مواجهات دامية بين المورمون والمسيحيين الذين عدوهم مهرطقين.
وعلى الرغم من ان سميث كان يرى ان الولايات المتحدة موضع الحلول والكمون.. بمعنى الحلول الالهي، الا انه كان يرى ان فلسطين هي الاخرى موضع حلول وكمون للشعب اليهودي، لذا كان يرى ان ثمة ضرورة لتجميع اليهود في فلسطين باعتبارها “ارض اسرائيل” تحقيقا للوعد الالهي للمؤمنين الجدد الذين يجب عليهم التجمع في ارض الميعاد الجديدة.
وكان لهذه العقيدة اتباع في كل انحاء الولايات المتحدة وخارجها، يصل اعدادهم حوالي خمسة ملايين شخص ولها جامعة باسم (برجهام ينج)، تحظى باهتمام كبير من جانب الاعلام الامريكي الذي قام بالترويج لها بزعم ان مبادئها الدينية تستند الى توجهات دينية أخلاقية تتعامل مع اصعب القضايا لنشر السلام في العالم.
ويعمل اتباع المورمون على اقناع الطوائف المسيحية للدخول في المورمونية ،والانضمام اليها حيث اصبح عدد المؤمنين بهذه العقيدة في امريكا ستة ملايين شخص، كما توجد ولايات تدين بهذه العقيدة بنسبة 71% من مسيحييها.
ويطلق على الصهيونية المسيحية ( انجيليو امريكا الجدد) وهي في الاصل مجموعة من المعتقدات الصهيونية انتشرت بين قيادات واتباع كنائس بروتستانتية اصولية تأثرت باليهودية عقدياً وايديولوجياً ، خصوصاً ما يخص عقيدة نهاية الزمان وأسطورة هرمجدون الواردة في الكتاب المقدس ،تحقيقاً لمجيء المسيح ليحكم فلسطين مدة 1000 عام (وهو ما يعرف بالعقيدة الألفية)
وقد تبنى عدد من المؤسسات الامريكية الرؤية الصهيونية المسيحية آملين في الحصول على الخلاص وتحقيق الرسالة الإلهية، من هذه المؤسسات شهود يهوه وفرسان الهيكل ومؤسسة جبل المعبد وتعد اكثر المنظمات الصهيونية المسيحية الامريكية التي تهدف لإقامة الهيكل في القدس وتضم رأسماليين امريكيين كبارا ورجال دين بروتستانتيين اصوليين .
وتزعم الصهيونية المسيحية ان نهاية العالم بدأت منذ عام 1948 بقيام اسرائيل على أرض فلسطين وان تأسيسها على حد زعمهم هو بمثابة التحضير للمعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر، وسوف ينتصر الخير (امريكا واسرائيل) على الشر (العرب والاوروبيين) وتعيش قوى الخير لتحكم العالم الف سنة في القدس باعتبارها العاصمة الأبدية الإسرائيلية بحسب زعمهم، وما هي الا استدعاءات واهية لتصورات دينية بدأتها الصهيونية المسيحية لتتبعها الصهيونية اليهودية.
ويأتي تهويد القدس واقامة المستوطنات الحالية ،وما تشهده غزة في هذه الآونة من ابادة جماعية ومحاولات تهجير سكانها بمشاركة امريكا للتمكين الصهيوني في الارض ،توظيفاً دينياً لتراث تراكمي خدمة للأهداف التوسعية الصهيونية، فكانت مقدمات اصولية بروتستانتية بريطانية امريكية، ظهرت على الساحة ممثلة في وعد بلفور 1917م، ذلك الزمن الذي تخللته شخصيات ومنظمات ومؤسسات دينية واعلامية وسياسية وتجمعات عاشت على الكثير من الخرافات والتخيلات والتزييف والتحريف، لا علاقة لها بالدين او التاريخ او السياسة لتعطي حقاً مزعوماً لشعب من دون ارض ولا تاريخ.
ويتبنى هذا الفكر عدد كبير من رؤساء امريكا ينتمون عقائديا وايديولوجيا الى دعم الصهيونية، فحين تولى جيمي كارتر رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ،اعلن انه ولد من جديد من اجل دعم الوجود الاسرائيلي في فلسطين. وكان رونالد ريغن من اكثر المؤيدين والداعمين للوجود اليهودي حيث نادى بقيام حرب نووية اذا فكرت الدول العربية وروسيا غزو اسرائيل (صحيفة نيويورك تايمز)، ثم بوش الاب ثم بيل كلينتون الذي تم في عهده الموافقة على نقل السفارة الأمريكية بشكل مرحلي الى القدس، حتى جاء ترامب الذي حول الفكرة الى واقع بقراره التعسفي ،الذي اعلن فيه نقل السفارة الأمريكية الى القدس وجعلها عاصمة لإسرائيل.
وخلال الاحداث الأخيرة في غزة، لم يخرج جو بايدن عن مسار الرؤساء الامريكان السابقين في تثبيت “شرعية” اسرائيل في فلسطين ،وتبني المصالح الصهيونية الإسرائيلية، ثم تدهورت الامور الى الاشد ضراوة في عهد ولاية ترامب الحالية. وما قام به هؤلاء الرؤساء انما يتماشى مع اهداف الصهيونية والتحضير للدولة الإسرائيلية المزعومة.
والحقيقة فإن الكنائس الشرقية عارضت الصهيونية المسيحية بشدة ،واعتبرت انها تسيء استخدام الكتاب المقدس وتحث المسيحيين على تقديس اقامة دولة يهودية في فلسطين، حتى ان بعض الأساقفة بالقدس اعترضوا على تسمية الصهيونية المسيحية واطلقوا عليها (الجماعات المتصهينة التي تدعى المسيحية).
وفي هذا الشأن صرح القس الدكتور اكرام لمعي في كتابه (الاختراق الصهيوني للمسيحية) ان المسيحية الصهيونية هي حركة نشأت في امريكا بغرض تحصين دولة “اسرائيل” واعتبار ان عودة اليهود هو تحقيق للنبوءات التوراتية والاعداد لمجيء المسيح ثانية الى العالم، وانها انتشرت في بعض الكنائس ووسائل الاعلام التي يعرفون كيف يزورونها جيدا. وقد بدا هذا الاختراق في التزايد منذ حرب 1967 مع صعود التيار الاصولي الديني في امريكا، ومعظم الكنائس المسيحية في القدس تدين هذه الحركة ويعتبرون ان ذلك مخالفة لرسالة السلام والمحبة التي يدعو اليها السيد المسيح.
وهكذا يظل الدعم الامريكي للصهيونية نتاجا لأسس عقدية تستند على وعد الله لشعبه المختار وقدوم المسيح ليحررهم ويخلصهم من الخطيئة والاثم، وينطلق الداعون لعودة المسيح بالتعلق بفكرة تعجيل النهاية والخلاص، زاعمين ان قيام اسرائيل هو علامة مجيء المسيح الذي سيبسط سلطانه على الارض من النيل الى الفرات .

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

جواز الزواج بين العيدين

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. قال الله تعالى في القرآن الكريم:{ولا تقولوا لِمَا تصف...

ماذا بين نقابتي اطباء بيروت والشمال ؟

آليت على نفسي ان لا ادافع عن شريحة الأطباء ،لقناعتي ان معظم أطباء لبنان لا يتميّزون عن معظم الشعب...

وزير الخارجية الصهيوني نجا من الاعتقال في بريطانيا ؟

تم الكشف منذ يومين ، عن أن وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر الذي كان يزور المملكة المتحدة في رحلة...

عن سحب السلاح واستراتيجية الدفاع الوطني

تكثّف في الفترة الأخيرة الحديث عن سحب أو نزع السلاح وحصريته بيد الدولة وبموازاته عن ضرورة اعتماد...

الرجل التافه يتقدّم ،يتمدد ويتكاثر-3-

ما زال الرجل التافه يسفّه الحكايا،يشوّه سيرة الشرفاء،يصرّ ان لكل اخلاقيّ هدف حقير خفيّ غير معلن...

كي تموت عليك أن تعيش اوّلاً...

قبل أن تموت لا تنسى ان تعيش ،فأوّل شروط الموت ان تكون حيّاً، قبل أن تنتقل من دار الحيرة إلى دار...