
ترددتُ كثيراً قبل أن اقدمتُ على إثارة هذه “القضيّة” الشكلية بعدما رفعتها الحكومة إلى مستوى “الإلتزام” بتنفيذ جميع نصوص “إتفاق الطائف” الصّارت مسألة إلتزام نصوصه وكأنها قصة “إبريق الزيت والشاطر حسن”!!؟
وكأن اللافت في الأمر أن يكون في طليعة إهتمامات حكومة “الإنقاذ والتغيير” نفض الغبار عن بند “يجتمع مجلس الوزراء في مقرّ خاصٍ به” كأحد بنود “إتفاق الطائف” المنتظرة، منذ زمن طويل، من يفيق عليها ويباشر تنفيذها أو يضعها على جدول التنفيذ السريع.
مقر خاص لاجتماع مجلس الوزراء!! مهمة المقر محددة، بل واضحة التحديد وهي: اجتماع مجلس الوزراء وبرئاسة رئيس الحكومة، وعندما يحضر رئيس الجمهورية يتولى رئاسة الجلسة. الواقع راهناً أنّ مجلس الوزراء يجتمع في المقر الجمهوري.
ولعلم غير المتابعين أذكّر أن المرحوم الرئيس سليم الحص كان أوّل رئيس حكومة بعد الطائف نفّذ بند “المقر الخاص” وبدأ يعقد الاجتماعات فيه، وبرئاسته، عندما لا يحضر رئيس الجمهورية. ولكن الرئيس اميل لحود كان من المثابرين على الانتقال من بعبدا إلى قرب المتحف، حيث مقر اجتماع مجلس الوزراء، ويرأس الجلسة. ومارس هذا السلوك بعد الحص المرحومان عمر كرامي ورشيد الصلح مع بعض الاستثناءات حيث كانت تُعقد الجلسات في المقر الجمهوري.
وعندما رئس الشهيد رفيق الحريري الحكومة للمرة الأولى تجاهل هذا السلوك ونُقلت جميع جلسات مجلس الوزراء إلى القصر الجمهوري بالرغم من فترات الاختلاف والتوتّر في العلاقة بينه وبين رئيسي الجمهورية اميل لحود والياس الهراوي، وخصوصاً اميل لحود. وأذكّر أني لفتّه مرة إلى همهمات في وسطه السني تتساءل عن سر عزوفه عن عقد الاجتماعات في المقر الرسمي لها قال: “المفروض نحن نروح عند رئيس الجمهورية مش هوّي يجي لعنّا”.. ونُسي المقر الخاص إلى أن أيقظته حكومة الرئيس نواف سلام.
وبما أنني عشت ٣٠ سنة في السرايا كملحق صحافي ثم كمستشار إعلامي لرؤساء الحكومات يمكنني أن اضيء على بعض سلبيات عقد الجلسات في مقر خاص.
١- الكلفة المالية والدولة في قعر القعر مالياً وتبحث عن الليرة بالسراج والفتيلة. ومصاريف المقر الخاص قد تكون بالملايين سنوياً.
٢- فتح سجلين متوازيين في كل من رئاسة الحكومة والمقر الخاص لجميع المعاملات التي يُفترض أن تعرض على مجلس الوزراء وأن يطّلع عليها موظفو رئاسة الحكومة قبل عرضها على الرئيس في مكتبه بالسرايا.
٣- الكثير من المعاملات والقرارات يجب التشاور بشأنها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وحتى بين كبار موظفي الموقعين الرسميين. وهنا، عرفاً، تُنقل الملفات إلى بعبدا للمناقشة والتشاور ثم تعاد إلى السرايا ليُدرج ما هو من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعاً على جدول اعمال جلسة المجلس. وقد يكون هذا الواقع من مسببات التأخّر بالبت في المعاملات. بالإضافة إلى الحاجة لموظفين جدد يداومون في المقر الخاص مع انهم من موظفي رئاسة الحكومة.
٤- هل الوضع في لبنان مرتاح و”كلو تمام” وليس لدى الحكومة متاعب ومشاكل وقضايا سياسية وأمنية واقتصادية، وحتى وجودية، لتنشغل بهذه الجزئية “الفولكلورية”؟!
بصراحة وصدق ألفت الرئيس نواف سلام الذي أحترم أنّ في الوسط المسيحي من يرى في هذا التصرّف “دليلاً” جديداً على المساعي التي بدأت منذ تاريخ “اتفاق الطائف” لتقليم أظافر المشاركة المسيحية في الحكم اللبناني وتهميش دور المواقع التي ما زالوا يشغلونها، ومنها موقع الرئاسة الأولى!
“وصديقك من صدقَك”… وما تواخذونا.