
البنك الدولي عادة ما يستعين بكبار أساتذة الجامعات على مستوى العالم في مجال الإقتصاد، ومنهم من يكون من الحاصلين على جوائز نوبل، للإشراف على برامجهم الإقتصادية ومراجعتها.
بيني غولدبرغ(أمريكية من أصل يوناني) هي أستاذة الإقتصاد بجامعة ييل الأمريكية الشهيرة، تم تعيينها كبيرة اقتصاديي البنك الدولي منذ 15 شهراً فقط . غولدبرغ هي أستاذة مشهورة ومتميزة في الإقتصاد ،وتم انتخابها عضواً في الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية (أعلى شرف علمي يمكن أن يحظى به أستاذ جامعي أو باحث في الولايات المتحدة الأمريكية).
وفي 13 فبراير 2020، تقدمت بيني غولدبرغ باستقالة مفاجئة من منصبها في البنك الدولي ،لتدخل الاستقالة حيز التنفيذ اعتباراً من 28 فبراير 2020 . طبعاً الإستقالة المفاجئة في مثل هذا المنصب الحساس تترك خلفها عشرات علامات الإستفهام !!! …
الإجابة ظهرت يوم 18 فبراير 2020. غولدبرغ قامت منذ فترة بحكم منصبها بتمويل بحث يقوم به ثلاثة من الباحثين : الأول من كلية إدارة الأعمال بالنرويج ، والثاني من جامعة كوبنهاجن الدانمارك ، والثالث أحد خبراء البنك الدولي . البحث كان ينظر في علاقة القروض والمساعدات التي يقدمها البنك الدولي للدول النامية مع حجم التدفقات المصرفية في تلك البلاد!!
من النتائج المثيرة للبحث أنه وجد علاقة بين توقيت تسلم القروض والمساعدات من البنك الدولي ،وزيادة التحويلات إلى الحسابات المصرفية في الملاذات الآمنة للنخبة وكبار المسؤولين خارج البلاد ، والملاذات الآمنة هي الدول التي تفرض سرية تامة على حساباتها المصرفية مثل سويسرا ولوكسمبورج . البحث وجد أن نسبة التحويلات لتلك الحسابات الخارجية تزداد ثلاثة أضعاف بعد وصول تحويلات البنك الدولي ، بالطبع يمكن تصور باقي السيناريو الذي حدث . غولدبرغ بضميرها المهني كأستاذة جامعية من الطراز الرفيع ..قررت مواجهة المسؤولين التنفيذيين في البنك الدولي بنتائج البحث ونشره علناً . كبار المسؤولين في البنك الدولي رفضوا ذلك .
ولكن غولدبرغ تقدمت باستقالتها من منصبها . وبعد 5 أيام من تقديم استقالتها ظهر البحث بالفعل على موقع جامعة كوبنهاجن بالدانمرك تحت اسم :
Elite Capture of Foreign Aid: Evidence from Offshore Bank Accounts
باختصار فإن البحث يثبت بشكل أكاديمي وموثق ما يقوله ويعتقده كثير من الناس ،وهو أن القروض والمساعدات القادمة من البنك الدولي إلى الدول النامية – والتي يصحبها عادةً إجراءات تقشف اقتصادي صعبة من رفع الدعم وزيادة الأسعار وتعويم العملة تستفيد بها النخبة من الطبقة الحاكمة والمقربين منها ، ويتم تحويل جزء منها الي حساباتهم المصرفية خارج البلاد . بينما يتركون عوام الناس ترزح تحت وطأة الفقر وفوائد القروض لسنوات طويلة ، لكن الحمد لله أنه ما زال هناك أحرار وشرفاء في هذا العالم مثل البروفسيرة بيني غولدبرغ وزملاءها الذين نشروا البحث.
لذا ندعوكم لحفظ اسم هذه الانسانة العظيمة