الخميس، 24 أبريل 2025
بيروت
19°C
ضباب
AdvertisementAdvertisement

هل يتسبب الرئيس ترامب بكارثة اقتصادية عالمية كالتي حدثت في عام 1929؟ ولماذا يصر على اتباع خطة سموت-هاولي رغم انها كانت من مسببات تلك الكارثة؟ وما هو راي العارفين بالأمور من الاميركان بسياسته؟

على الرغم من تراجع الرئيس ترامب المؤقت عن فرض رسوما جمركية مرتفعة على دول العالم وتأجيلها لمدة ثلاثة اشهر، إلا ان الاقتصاد العالمي لازال متأثرا ويعاني من ترددات هذه الخطة. فأسعار الذهب مازالت تتصاعد بشكل كبير بينما انخفضت اسعار النفط في الأسواق العالمية بمقدار اربع دولارات للبرميل تقريبا لحد الان. أضف إلى ذلك إلى ان الزيادات في اسعار السلع والمنتجات التي حدثت بعد اعلان الرئيس الأمريكي عن إجراءاته لم تنخفض حتى بعد ان علق هذا البرنامج، وهذا امر طبيعي حيث ان ارتفاع اسعار البضائع اثناء الأزمات بصورة سريعة وبقفزات كبيرة يحتاج وقت قد يطول لكي تأخذ بالانخفاض.

تشير الوقائع على الارض إلى ان اجراءات الرئيس ترامب ستقود العالم إلى حرب اقتصادية لن ينتفع منها اي طرف، والأخطر فانها قد تؤدي إلى انهيار الأسواق العالمية كما حدث في الكارثة المالية التي حدثت في اميركا عام 1929 (والتي عرفت بالكساد الكبير او الثلاثاء الأسود)، وانتقلت إلى الأسواق العالمية. خاصة وان ما يقوم به الرئيس الأمريكي يتشابه بصورة كبيرة مع الظروف التي قادت وادّت الى تلك الأزمة المالية المروعة. ولمن ليس لديه اطلاع على تلك الأزمة، ومع الأسف ان اغلب الاقتصاديين لم يعرجوا عليها في الوقت الحالي، فان ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة يتطابق كثيرا مع ما حدث انذاك.

فقبل ترامب بحوالي قرن من الزمن قامت الولايات الولايات المتحدة برفع التعريفات الجمركية بأكثر من 60%، عندما اعتقد بعض سياسيها ان هذا الإجراء سوف ينقذ البلاد من الكساد الاقتصادي الكبير الذي بدأت مقدماته في العام 1929، عندما تراجع الإنتاج وارتفعت البطالة، لأسباب داخلية لا علاقة للعالم بها. في تلك الفترة اعتقد كل من السيناتور ريد سموت وعضو مجلس النواب ويليس هاولي ان سبب المشكلة هو عدم وجود حماية للمنتجات الأمريكية، (كما يعتقد الرئيس ترامب الان)، وبناءا على ذلك قدم الرجلان مشروع قانون لرفع التعريفات الجمركية على اكثر من عشرين الف سلعة لحماية المنتجات الأمريكية من المنافسة الاجنبية، وعرف ذلك المشروع بتعرفة سموت- هاولي. حاول اكثر من 1000 اقتصادي أمريكي تحذير الرئيس آنذاك (هيربرت هوفر) من ان التعريفات المرتفعة ستؤدي إلى ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى وستضر بالصادرات الأمريكية، إلا انه وقع القانون واصدره في عام 1930. وكانت النتيجة ان ارتفعت التعريفات الجمركية بنسبة 60% ، ما جعل الواردات اكثر تكلفة. طبعا دول العالم المهمة انذاك، (كما هو الحال اليوم)، لم تسكت وردت على تلك الإجراءات بما يشابهها. فمثلا قامت كل من كندا وفرنسا وبريطانيا والمانيا بفرض تعريفات على المنتجات الأمريكية فانخفضت الصادرات الأمريكية بنسبة 61%, وتراجعت التجارة العالمية بنسبة 66% الامر الذي عمق الكساد العالمي والأمريكي بالذات. ومع ذلك لم يتراجع الرئيس هوفر وأصر على موقفه، وهكذا استمرّت عملية انهيار الأسواق المالية وأفلست البنوك وانهارت اسعار الأسهم والبورصات وازدادت اعداد رجال المال الذين اقدموا على الإنتحار. ولم تتحسن الأمور إلا بعد ان وصل الرئيس فرانكلين روزفلت إلى السلطة عام 1934 وقام بتخفيف التعريفات. المهم ان تلك الحادثة او الأزمة اجبرت دول العالم في عام 1947 على توقيع (الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة الدولية – التي عرفت باسم الغات) والتي شددت على دعم التجارة العالمية وتخفيض القيود التجارية تدريجيا بما يسمح بتحرير الأسواق العالمية من القيود التي تحاول الدول فرضها. وتنص هذه الاتفاقية في بنودها العامة ايضا على ضرورة عدم فرض ضرائب كبيرة تعيق التجارة العالمية.

بالمناسبة فان الرئيس الأمريكي انذاك (هوفر) اعتبر ايضا ان المهاجرين المتواجدين في الولايات المتحدة هم احد اسباب المشكلة (كما يعتقد الرئيس ترامب الان) وقام بانتهاج سياسة ترحيل المكسيكيين إلى بلادهم مما ساهم في فقدان أيدي عاملة كثيرة رخيصة وعمق الأزمة.

الان يقف العالم على اعتاب أزمة اقتصادية عالمية كبيرة مماثلة تحاول ان تضرب في الصميم كل ما اتفق العالم عليه، وستكون البورصات العالمية اول ضحاياها ومعها كل المؤسسات الاقتصادية والمالية في الدول الكبرى، وستجد الدول الفقيرة نفسها غير قادرة على التأقلم مع كل ما يجري، حيث انها ستكون على الاقل عاجزة عن توفير السيولة لتوفير احتياجات سكانها، واذا كانت لديها مواد أولية مفيدة للصناعة العالمية فانها لن تكون قادرة على ايجاد من يستوردها بسبب ارتفاع التعرفة الجمركية عليها، او قد تجبرها الدول الكبرى على التخلي عنها بأسعار بخسة بالقوة او الابتزاز، (كما يحاول الرئيس ترامب مع أوكرانيا الان).

لا زلت اعتقد ( رغم كوني لست اقتصاديا متخصصا) ان الإجراءات او القرارات التي اتخذها الرئيس ترامب المتمثلة بفرض تعريفات جمركية مرتفعة لن يكتب لها النجاح، واذا ما أصر عليها فانها قد تقود الى انهيار اقتصادي أمريكي وعالمي لن يكون من السهولة اصلاحه، او ربما إلى نهاية مبكرة لفترته الرئاسية، خاصة إذا ما شعرت المؤسسة المالية الأمريكية والشركات الصناعية الكبرى وأصحاب رؤوس الاموال بان مؤسساتهم وثرواتهم اصبحت مهددة بالإفلاس. او عندما يشعرون بان بضائعهم ستواجه كسادا كبيرا بسبب ارتفاع اسعارها نتيجة للضرائب الجمركية الانتقامية التي ستفرضها الدول الأخرى ردا على الضرائب الأمريكية، وهذه الأصوات بدأت بالارتفاع منذ الان.

هناك من يعتقد ان الرئيس الأمريكي يعمل وفق خطة مدروسة، ولكن كل الوقائع، على الاقل لحد الان، تثبت انه يتخذ قرارات عشوائية نابعة من تفكيره. وليس أدل على ذلك ما كتبه واحد من اهم كتاب جريدة النيويورك تايمز، توماس فريدمان، حيث قال: (ان رئاسة دونالد ترامب تخاطر بتدمير الأسس ذاتها التي جعلت الولايات المتحدة مزدهرة ومبتكرة ومحترمة في جميع أنحاء العالم…وان هناك الكثير من الامور الجنونية تحدث كل يوم منذ توليه منصبه…وانه أصر على ترشيح نفسه ليس لأن لديه مفتاحا لنقل الولايات المتحدة إلى القرن ال 21، بل لأنه كان يسعى لتجنب السجن ولكي ينتقم من اولئك الذين حاولوا محاسبته بأدلة حقيقية امام القانون.. وان “مهزلة” تغيير الرسوم الجمركية على وشك المساس بكل مواطن امريكي، وان الرئيس يهاجم اقرب حلفاء بلاده)،* هذا الكلام وما يشابهه يعني ان هناك شعور أمريكي واضح بوجود خلل كبير في سياسة الرئيس قد بدأ يظهر واضحا رغم المدة القصيرة (100 يوم) التي قضاها في الحكم.

واخيراً فالأمر لا يتعلق فقط بعجز الرئيس ترامب عن تقديم ما يدعم ادعاءاته بانه سيحقق طفرة كبيرة في الاقتصاد الأمريكي، بل ان العالم اثبت انه مصر على رفض إجراءاته، وان قبول بعض الدول بالتفاوض حولها لا يعني القبول او التسليم بها. والاهم من كل ذلك ان اجراءات الرئيس ترامب تمثل ضربة قاتلة إلى المبدأ الذي سار عليه العالم الحر منذ اكثر من ثلاثة قرون من النظام الرأسمالي المبني على قاعدة (دعه يعمل دعه يمر) الذي تبناه الفيلسوف الاقتصادي الاسكتلندي ادم سميث في كتابه ثروة الامم (1776)، (سبقه في طرح الفكرة مجموعة من الاقتصادين الفرنسين قبل 25 عاما من صدور هذا الكتاب). وبالتأكيد فانه ليس من السهولة على دول العالم الغربي ان تضحي بالنظام الاقتصادي الذي سارت عليه لقرون، وتفتخر بانه تمكن من الصمود اما الأفكار الماركسية- الشيوعية، وانها لن تتسامح مع من يحاول ان يدمره.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

أعلن ترشحي لمنصب البابا في الفاتيكان.

لست كاردينالا كاثوليكيا إنما أنا كاردينالا انسانيا متمرداً من خارج كل قطيع. ألطف الناس الأشرار...

جِماح الطّائفية.. إلى نوويّة شيعيَّة وسُنيَّة!

ما كان في الخاطر ظهور مثقفين، تجمَحَ بهم الطّائفيَّة إلى تسمِّية القنابل النَّوويَّة بالأديان...

الثقافة المضادة لثقافة الاستسلام

ربما أجمل شعار رفعه الطلبة الثوريون الفرنسيون في سنة 1968 في باريس كان: -“كونوا واقعيين واطلبوا...

خاص " الشراع " الغرّاء

ربّما شهر نيسان ” ابريل ” له خصوصية طبيعية ، فهو رئيس جهاز أمن الربيع، و بقايا من مرقد جرّة...

لا بدّ من خطة جهنمية تجعل العدو يندم.

أسوأ الخيارات الاستنفار الدائم من دون هجوم او عراك او قتال او حتى رشق حجر وسباب،اكثر المواد...

تشويه صورة الإسلام مسموح وانتقاد الكيان الصهيوني محظور

في العام 2010 تطرق الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف في كلمة له عن الإسلام في المانيا متسائلا بكل...