
حين قررت بعض القيادات أن تتجاهل النار المشتعلة تحت الرماد، فإنها لم تكن تمارس الحكمة ،بل كانت تهرب من الحقيقة .
وحين وقف السيد نوري المالكي أمام دعاة المؤتمر التاسع عشر ،وسمّى الدورة باسم البطل السيد حسن نصر الله ، كانت الكلمات تفيض بالرمزية والمسؤولية .
لكن هل سمع ما دار في الكواليس ؟هل قرأ الأوراق التي لم تُوزع ؟هل اطّلع على التسجيلات التي احتفظ بها بعض الدعاة خوفًا لا من الخصم بل من رفاق الأمس؟
الدعوة اليوم ليست بخير ،وكل من يقول غير ذلك إما واهم أو مشارك في الجريمة ،وما جرى في المؤتمر الأخير لم يكن عرسًا تنظيميا ،بل كان إنذارا صاخبًا بأن الدعوة التي تأسست على دماء ودموع وأقبية التعذيب ،بدأت تفقد ذاكرتها الجماعية ،لصالح طبقة مصلحية تغلغل فيها البعث حتى النخاع!!
أسماء بعينها دخلت إلى الشورى لم يكن لها في تاريخ الدعوة شبر من أثر ،ولا في أدبياتها سطر واحد ،لكنها دخلت لأن المال والولاء لشخصيات نافذة داخل الحزب فرضاها، والنتيجة مجلس شورى محاط بأسلاك المساومات وخرائط التحالفات ..وليس بإرث محمد باقر الصدر ..ولا ملامح محمد مهدي آصفي ..ولا صرامة أبي إسراء في سنوات التحدي.
الدعاة الغيارى وثّقوا كل شيء :
اصواتاً واوراقاً وتسجيلات وشهادات حيّة من داخل الجلسات ،من داخل الصفقات ،من داخل الأحاديث التي لا تقال في العلن ،ووُضعت هذه الملفات أمام خيارين لا ثالث لهما :
إما أن تُعرض على المرجعية العليا التي التزم الحزب علنًا باتباع وصاياها ،أو أن تذهب إلى الرأي العام ليكون هو الشاهد والحَكم.
بعض الشخصيات بدأت تتحرك فعليًا بهدوء ،نحو خيارات أخرى لا تعلن عنها في الإعلام ،لكنها موجودة تجتمع تتشاور تتحسس الطريق للانشقاق، لا لأنها تكره الدعوة بل لأنها لم تعد تراها الدعوة التي آمنوا بها زمن المطاردة والإقصاء، من الذي يضمن أن لا نرى خلال أسابيع انشقاقا كبيرا يهز الدعوة من داخلها .من الذي يملك الجرأة ليقول إن البعثيين تسللوا إلى المؤتمر بأسماء مغطاة وعلاقات ناعمة؟ من الذي يملك الشجاعة ليكشف من قدّمهم ؟ومن ضغط من أجل تثبيتهم؟
هذا المقال ليس للتشهير وليس للطعن في نوايا الناس ،ولكنه صرخة أخيرة من صحافي مشبع بتجربة الدعوة، لا يتكلم باسم أحد ولا يسعى لكرسي ،ولا يريد إلا أن تبقى الدعوة كما أرادها الأوائل :نقية عصيّة شفافة تستمد قوتها من تاريخها، لا من الذين صنعوا لهم تاريخًا مزيفًا في سنوات الفوضى
على نوري المالكي أن يفهم ،أنه الآن لا يمثل جهة سياسية فحسب ،بل يمثل الذاكرة والبقاء إما أن يختار الإنقاذ أو سيكتب التاريخ أن الدعوة ماتت في زمن أمينها العام وهو ينظر ولا يتحرك،
وإذا لم يتخذ قرارًا سريعًا حاسمًا شجاعًا بإعادة النظر بكل ما جرى في المؤتمر، وبفتح ملفات التلاعب أمام لجان مستقلة نزيهة ،فليتحمل النتائج كاملة أمام الله وأمام المظلومين وأمام الأجيال التي لن تغفر
الدعوة تناديك فهل تسمع…