
الأغلبية الساحقة من الجمهور تدرك أن استمرار القتال لا يؤدي إلا إلى تعريض حياة الأسرى للخطر وقتلهم، لهذا السبب، تُظهر جميع الاستطلاعات تأييدًا واسعًا وثابتًا في صفوف الجمهور لاتفاق يعيد جميع الأسرى، بدلاً من استمرار الحرب في غزة.
إذًا، كيف ينجح رئيس الحكومة في خداع الجمهور مرة بعد مرة، الأمر بسيط، فهذه هي مهارة نتنياهو “فرق تسد”، حيث يعمل باستمرار على فصل قضية الأسرى عن مسألة إنهاء الحرب.
فعندما يُطرح موضوع الأسرى، يحرص نتنياهو وأذرعه الإعلامية على توجيه النقاش إلى عدد الأسرى الذين يطالب بإطلاق سراحهم، هكذا يظهر وكأنه يبذل كل ما في وسعه لتعظيم “المكسب” من صفقة الأسرى، بينما في الواقع، كان من الممكن إعادتهم جميعًا منذ زمن ضمن المرحلتين الثانية والثالثة.
الهدف الحقيقي لنتنياهو – كما قال رئيس الشاباك – هو “إدارة المفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من أجل استعادة الأسرى”، وأي هدف آخر سيفرض إنهاء الحرب، يشكل خطرًا سياسيًا عليه. لذلك، فهو يربح بضعة أشهر إضافية من المماطلة، من خلال جولات متفرقة من العنف، ليعود بعدها لخرق الاتفاق والعودة للقتال، كما فعل مرارًا،
وإذا تجرأ أحدهم وسأل: “أليس بمقدوركم إعادتهم جميعًا؟ ألم تعلن حماس منذ أكثر من عام استعدادها لإعادتهم جميعًا مقابل إنهاء الحرب؟” عندها يتغير الخطاب، ويتم تشتيت الانتباه، ويبدأ مسلسل التخويف تحت الشعار الذي يُرعب كل إسرائيلي: “إنهاء الحرب قبل القضاء على حماس سيؤدي إلى تكرار ما حدث في 7 أكتوبر”
الصحفيون يسقطون مرة تلو الأخرى في هذا الفخ الخطابي، المحللون الذين أشاروا بالأمس إلى دعم 70% من الإسرائيليين للإفراج عن الأسرى حتى لو تطلّب الأمر إنهاء الحرب، يتحدثون اليوم عن خطر عودة حماس للحكم في غزة.
لهذا السبب، شعر نتنياهو بالخطر من رسالة الطيارين وسائر رسائل الدعم الأخرى، الموقعة من عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، هذه الرسائل تُزعزع الفصل الخطابي بين قضية الأسرى وإنهاء الحرب.
إنهاء الحرب ليس “ثمناً” بل هو مصلحة أمنية وسياسية لإسرائيل. وبناءً عليه، فإن المطالبة بإنهاء الحرب من أجل إعادة الأسرى ليست “تمردًا”، لا يمكن الانتصار على تنظيم بالقوة العسكرية وحدها.
الطريقة للتعامل مع حماس هي بخلق بديل سياسي وتوفير أفق دبلوماسي. والطريقة لضمان عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر هي إقامة منظومة دفاعية قوية وفعالة. نتنياهو يعرف كل هذا لكنه لا يخدم بقاءه السياسي، فلماذا يهتم؟
هذه المرة، لن ينجح نتنياهو في فصل العلاقة بين إنهاء الحرب وعودة الأسرى. الحقيقة ستنتصر على الكذب.