
ربما أجمل شعار رفعه الطلبة الثوريون الفرنسيون في سنة 1968 في باريس كان:
-“كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل.”
إضافة لهذا الشعار كتبوا على الجدران:
-“ممنوع الاقتباس.”
-“ممنوع المنع.”
ونحن لسنا حلماويين ،ونحن لا نهذي إن رفعنا شعارا ثوريّاً لهذه المرحلة القاتمة:
“”الزمن رديء جدّاً الا انّ فيه من الوقت ما يكفي لتفكيك المستحيل”.
مما لا شكّ فيه ان الغد أجمل وأشرف.
لا زلت اذكر حصار بيروت واجتياحها من العدو الاصلي ،اذكر الدبابات التي حاولنا صدّها وهي تطلّ من قرب السفارة السوفياتية صعودا باتجاه مار الياس،كانت العتمة والغبار و وجوه الناس مخيفة،كل مواطن مهزوم يراقب الآخر بحذر ،يترقب غدراً او طعناً او خيانة.
من هو الفدائي البطل؟
العاصمة من دون ماء وكهرباء وسلاح.
كان الجبناء يرمون اسلحتهم في القمامة بينما كان الشجعان يجمعون بعضا منها في الليل.
عندما صاحت امرأة بإبن٧ا من شرفتها في منطقة رمل الظريف كي يختفي بسرعة ارعبت كل من سمع صيحاتها:
“انهم يذبحون الناس في صبرا وشاتيلا،الخونة يخطفون على الهوية في منطقة الطريق الجديدة”
في هذا الزمن كان المتفائل بغد افضل متّهم بالجنون حتماً.
كاد جيش الاحتلال ان يتنزه في شوارع بيروت ،لولا قلّة من الشجعان الذين آمنوا بجنونهم واطلقوا النار في شارع الحمراء وقرب صيدلية بسترس وعند محطة ايوب وفي عائشة بكار ..ما الزم الاوغاد ان يطلبوا من الناس عبر مكبّرأت الصوت انهم منسحبون وان لا داع لاطلاق النار عليهم.
لولا هؤلاء لكتب العدو الأصلي في كتاب القراءة للصفوف الابتدائية قبل كتاب التاريخ ان جيش “يهوه” دخل بيروت في 14ايلول من سنة 1982ولم يجد احداً …
كان الشرفاء والشجعان والابطال والفدائيون هنا.
من يظن ان هذه المرحلة الحالية سوداوية اكثر مما كنّا فيه واهم.
كان ظلام الليل حالكا ما يكفي ،ليظن فيه كل امرىء ان مجرّد تمنّي الحلم صعب جدّاً.
ماذا فعل الوطنيون الشرفاء آنذاك؟
لم يفعلوا غير أمر واحد لا غير:
“تفكيك المستحيل.”
مهمة الأتقياء الان “تفكيك المستحيل” بذكاء وبراعة وحنكة .
التقيّة الأمنية واجبة ،والاستتار بالمألوف مستحب.
“الزمن رديء جدّاً الا ان فيه من الوقت ما يكفي لتفكيك المستحيل.”
قولوا يا ربّ!
من هنا ومن تحت شجرة زنزلخت محررة في حاروف ،وجالساً على تنكة تاترا صدئة ومطعوجة ومحروقة اذكّر لعل تنفع الذكرى:
“الزمن رديء جدّاً الا ان فيه من الوقت ما يكفي لتفكيك المستحيل”
فهل تغضب؟
اغضب!
نحو مقاومة ذكية وطنية شاملة.
والله اعلم.