
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتفاخر بأنه أول زعيم أجنبي التقاه الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض بعد انتخابه في الولاية الثانية. ولكن اللقاء الذي عقد بينهما، أول من أمس، حسب تقديرات العديد من الخبراء والمحللين، كان مخيباً لآمال نتنياهو الذي على ما يبدو خرج منه بخفّي حُنين، خاصة في الملفات التي يعتبرها نتنياهو مهمة جداً بالنسبة له، وكان أن يأمل أن يعود من واشنطن وهو يحمل البشرى للإسرائيليين. وأول مؤشرات عدم النجاح كان إلغاء المؤتمر الصحافي للزعيمَين والاكتفاء بالرد على أسئلة محدودة للصحافيين في المكتب البيضاوي، وهذا على الرغم من التشابه الكبير بين الرجلين. وكان نتنياهو في اللقاء محرجاً وأشبه بالتلميذ النجيب الذي يخشى إغضاب معلمه.
نتنياهو يشبه إلى حد بعيد ترمب في أن الاثنين يفكران بنفسَيهما فقط حتى لو كان هذا على حساب الدولة والشعب لا يباليان بما قد يحدث من تبعات لهذه السياسة الأنانية؛ فنتنياهو يجر إسرائيل إلى مواصلة الحرب على الرغم من أنه لم يعد هناك طائل منها وتشكل خطراً على حياة الأسرى الإسرائيليين؛ فقط ليهرب من المساءلة ويستمر في الحكم لأطول فترة ممكنة. وترمب يفرض رسوماً جمركية على شركاء الولايات المتحدة وخصومها في نفس الوقت، ما يعرض الاقتصاد الأميركي لهزات عنيفة قد تؤثر سلباً على استقراره وعلى مستوى حياة المواطن الأميركي. ويذهب إلى صفقة مع الرئيس فلاديمير بوتين على حساب حلفائه في أوروبا، وعلى حساب أوكرانيا التي صرفت الولايات المتحدة أموالاً طائلة لدعمها في مواجهة روسيا، بل ويريد أن تدفع أوكرانيا ثمن الحرب باتفاق مذل تتخلى بموجبه عن معادنها الثمينة لصالح الولايات المتحدة.
وكلاهما يريد الانقضاض على الدولة العميقة وتغيير نظام الحكم؛ بحيث يبقيان حاكمَين بلا منازع لأطول فترة ممكنة ولا يتعرضان لأي مساءلة أو إزعاج في الحكم، بما في ذلك بتغيير القوانين وأعمدة نظام الحكم والتخلص من الفصل بين السلطات وإرث النظام «الديمقراطي». ولا يتورع الرجلان عن القيام بأي شيء في سبيل تحقيق مصالحهما، بما في ذلك اللجوء للتزوير ومخالفة القانون. ولكن هذا التشابه في الأنانية والعناد قد لا يقود إلى تفاهمهما بل ربما العكس، أي التصادم إذا اختلفت مصالحهما. وهذا على الأغلب ما حصل في اللقاء الأخير أول من أمس.
خرج نتنياهو للولايات المتحدة وهو يحمل معه أربع ملفات مهمة بالنسبة له، وهي: ملف إيران النووي، ملف التعرفة الجمركية، ملف السيطرة التركية على سورية، والملف الأخير الرهائن والمحتجزون الإسرائيليون والحرب على غزة.
ولكنه على ما يبدو لم يحقق أي اختراق حقيقي في أي منهم، ربما باستثناء ملف الرهائن الذي لم يفصح ترمب عن موقفه الواضح منه عندما أجاب عن أسئلة الصحافيين حول الموضوع بالقول: إنه كان يأمل أن تنتهي الحرب، وإنه يفترض أن تنتهي في مرحلة ما. ولديه مشكلة مع الرهائن وهو يحاول إخراجهم. وعملياً هو لم يفصح عن أي شيء.
أما القضايا الأخرى فتلقّى فيها نتنياهو صفعات متتالية. أولها إعلان الرئيس ترمب أنه سيبدأ مفاوضات مباشرة مع إيران السبت المقبل حتى لو حمل كلامه بعض التهديد، من قبيل القول: إنه إذا فشلت المفاوضات «فسيكون ذلك يوماً سيئاً لإيران». وهناك تقديرات بأن يلجأ ترمب لمساومة إيران على العراق مقابل السماح لها بملف نووي سلمي، وليس كما تطلب إسرائيل التفكيك الكامل للملف على طريقة ما جرى في ليبيا. والضربة الثانية التي تلقّاها نتنياهو كانت برفض ترمب إلغاء الرسوم الجمركية التي ستفرض على الصادرات الإسرائيلية بقيمة 17%، بل إن ترمب تحدث عن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل بقيمة 4 مليارات دولار سنوياً، وأن هذا المبلغ كبير، وهو تلميح ربما للمستقبل ببحث مصيرها. في حين أن نتنياهو رد على ترمب بأنه سيمحو العجز في الميزان التجاري بين الدولتين، وهو أمر مشكوك في قدرته على تحقيقه حسب الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل.
وحول السيطرة التركية على سورية، قال ترمب: إن علاقته مع الرئيس رجب طيب أردوغان رائعة وإنه يحبه، وإذا كانت لنتنياهو مشكلة مع تركيا فترمب قادر على حلها طالما نتنياهو يتصرف بعقلانية، وعليه أن يتصرف بعقلانية.. أي أنه رفض بشكل واضح مطلب نتنياهو بوضع حد لسيطرة تركيا على سورية وتهديد مصالح إسرائيل. ويبدو أن على نتنياهو القبول بمعادلة جديدة في سورية ليس لإسرائيل وحدها حرية الحركة والتصرف بل والقدرة على احتلال أجزاء من هذا البلد الذي يجري تقسيمه بين مستعمرين كثر، الولايات المتحدة أحدهم.
باختصار تمثل الصفات المتشابهة بين نتنياهو وترمب عوامل جذب وتنافر؛ فهما يمكن أن يلتقيا في مرحلة ويتصادما في أخرى طالما أن لكل واحد منهما مصالحه الأنانية التي تصل إلى مستوى التضحية بالمصالح العامة. فعقلية كهذه لا تقيم وزناً إلا لما تعتبره يخص الشخص نفسه دون سواه. ونتنياهو هو الأضعف في هذه المعادلة، ويعلم أن قدرته على المناورة مع ترمب محدودة تماماً، وليست كما هي مع أي رئيس من الحزب الديمقراطي. لهذا ابتلع الإهانة بصمت وعاد إلى إسرائيل يجر أذيال الخيبة.