الخميس، 5 يونيو 2025
بيروت
31°C
سماء صافية
AdvertisementAdvertisement

لبنان بين واشنطن وطهران… وعتبة مرحلة جديدة

كارولين ياغي

“إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، يجب علينا أن نعرف ماذا في البرازيل”، مستهلّ المقالات الطريفة التي كان يكتبها الصحافيّ حسني البرظان (نهاد قلعي) في مسلسل «صحّ النوم»، لكنها، رغم عبثيتها الظاهرة، تختصر واقعًا نعيشه اليوم في لبنان، حيث ترخي السياسات الكبرى بظلالها الثقيلة على التفاصيل اليومية.

في اللحظة التي تتقدّم فيها واشنطن وطهران نحو اتفاق نووي جديد أو مُحَدَّث، يقف لبنان على شفير انعطافة قد تغيّر وجه المرحلة المقبلة.
الاتفاق، ولو بدا بعيدًا ظاهريًا عن بيروت، يملك القدرة على إعادة ترتيب التوازنات في المنطقة، ما ينعكس حتمًا على الداخل اللبناني، لا سيما في ظل تداخُل الملفات الإقليمية وتشابكها مع حسابات القوى المحلية.

الحديث عن مساعدات دولية لإعادة الإعمار في لبنان ليس جديدًا. لكن ما هو واضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن أي دعم مالي جدي مرتبط بمجموعة من الشروط السياسية والإصلاحية. المجتمع الدولي ينتظر من الدولة اللبنانية قرارات سيادية واضحة، تتعلق بالحوكمة، بترسيم النفوذ الداخلي، وبإثبات القدرة على الالتزام بالإصلاح، لا بالوعود الفضفاضة. وفي الخلفية، تظلّ إشكالية حصرية السلاح وقرار السلم والحرب جزءًا من الصورة العامة التي تحدد استعداد بعض الدول للمساهمة الفعلية في إعادة الإعمار. أما الشارع اللبناني، فانتقل من حالة الانتظار إلى حالة الشك، حيث تعب الناس من سماع شعارات “الدعم المشروط” من دون أن يلمسوا على الأرض أي تغيير فعلي في أداء الطبقة السياسية.

تحمل المرحلة المقبلة في طياتها عدة عناوين أساسية: أولها إرساء الاستقرار المؤسسي وتثبيت موقع رئاسة الجمهورية ضمن معادلة إنتاج القرار السياسي، لا مجرد ملء للفراغ. يلي ذلك ملف الإصلاح المالي والنقدي، وهو مفتاح الدخول في أي برنامج دعم جدي. أما العنوان الثالث فهو إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، وإعادة ترميم الثقة، سواء بين الدولة ومواطنيها أو بين لبنان والمجتمع الدولي.

هل ستتحرك عجلة الاقتصاد؟ لا أحد يملك الجواب اليقيني. لكن ما هو مؤكد أن الجمود الحالي لا يمكن أن يستمر. فإما أن ينفرج المشهد عبر تسويات خارجية تفرض حداً أدنى من الاستقرار، أو تستمر الدوّامة التي يعيشها البلد، مع كل ما تحمله من استنزاف للقدرة الإنتاجية وهجرة للطاقات.

في النهاية، لبنان ليس جزيرة معزولة. وهو، رغم صِغَره، مرآة تعكس تقاطعات القوى الإقليمية والدولية. لذلك، فإن أي تسوية بين واشنطن وطهران لن تمرّ من دون أن تترك أثراً في الداخل، سواء عبر تهدئة الجبهات أو إعادة خلط الأوراق. وحده الزمن، وربما بعض الحكمة السياسية، كفيل بتحديد الاتجاه.

أما اللبنانيون، فهم كمن يتابع مباراة لا يملكون فيها لا صوتاً ولا قراراً. ينتظرون صفّارة الحكم الدولي ليُعاد تشغيل اللعبة، لعلّها تكون هذه المرّة أقل كلفة.

شارك الخبر
AdvertisementAdvertisement

إقرأ أيضاً

العيد السامي

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. قال الله تعالى في القرآن الكريم: {قل بفضل الله وبرحمته...

ترامب و«إسرائيل» افتراق بعد وفاق

قامت « إسرائيل »على ثلاثة ركائز  : ترحيل يهود أوروبا بعد قرون من تعالي اليهود وانعزاليتهم وكره...

ليس تهجيرًا... إنها إبادة

منذ أشهر طويلة، تتعامل بعض المنصات الإعلامية والمنظمات الدولية مع ما يجري في قطاع غزة ،على أنه...

"التيار الصدري وإيران" العلاقة الباردة _ 1

نتحدث عن الحكاية العلاقة الباردة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و التيار الصدري _   المدرسة...

: - قراءةٌ اخرى في المفاوضات الأمريكية - الإيرانية .!

\ في استقراءاتٍ ما لإحدى الفقرات المتعلقة بتطورات المفاوضات الأيرانية – الأمريكية ذات الحركة...

من أجل غزة...أمريكي وبريطاني يثيران انتباه العالم

أمريكا الشعبية ليست أمريكا الرسمية. فالشارع الأمريكي مليء بالمواطنين الذين يرفضون دعم أمريكا...